ربما يتعجب البعض من قول الأستاذة الفاضلة ثناء :
(ليس هناك ما يثبت أن الخليل قد استخرج البحور المهملة , بل إن تسميتها بالبحور (المهملة) تثبت براءة الخليل من استخراجها , فهي مهملة لأنالخليل أهملها .)
والعجب هنا من أمرين :
الأمر الأول : أن ما يتغنى به الرقميون (ومنهم الأستاذةثناء ) ويعتبرونه دلالة على عبقرية الخليل وذكائه الخارق هو تصميمه لتلك الدوائر واستخراج الأوزان المستعملة والمهملة منها , الآن تعتبره الأستاذة ثناء اتهام يجب تبرئة الخليل منه .
الأمرالثاني : وهو أكثر عجبا من الأول , هو دليلها وحجتها في نفي التهمة حيث تقرر أن سبب تسميت البحور المهمل بهذا الاسم هو أن الخليل أهملها وليس لأن الشاعر العربي هو من أهملها , وبناء عليه سيكون من باب الفكاهة أن نقول بأن البحور المستعملة سميت بذلك لأن الخليل هو من استعملها وليس الشاعر العربي .
وسيزول العجب لو ركزنا قليلا في قول الأستاذة ثناء
(فأرجو أن نحتفظ بهذا المطلب في أذهاننا إلى حين محاكمة نموذج الأستاذ أحمد سالم
ومنهجه
ثانية , علينا أن نقدم بيِّناتنا التي تثبت خطأ الادعاء , وتنقض الحجة الضعيفة المقدمة من الأستاذ أحمد سالم .)
وأنا أقول أن للناقد دور يختلف عن دور المحامي , فإذا تقمص الناقد شخصية المحامي فإن عقله الباطن سيعمل ( بطريقة لا واعية ) ويستخدم نفس لغة وأدوات وأساليب المحاماة , ولا يخفى على أحد مهارات المحامي في طمس ما يستطيع من أدلة الادعاء وقدرته على قلب الحقائق لصالح موكله , والهروب من بعضها , وإنكار البعض الآخر حتى ولو كان ثابتا متواترا عبر القرون الماضية راسخا في وجدان العروضيين متيقن من صحته , كما يملك المحامي من القدرات العقلية ما يمكنه من جر الخصم إلى ساحات مختلفة ليجهده ويشتت القضية ويضيع معالمها .
وبالطبع أنا لا أستطيع مجاراة الرقميين في نقاش حول علاقة العروض الرقمي وما يزعمه الأستاذ / خشان خشان من اكتشافه لمنهجية وعبقرية العروض الخليلي واندماجهما معا فيما يسميه بـ ( الرقمي الخليلي ) وعلاقة ذلك بالمنظومة الكونية بما تحتويه من :
عالم البحار وأصدافه وقنافذه ونجومه ,
عالم النبات وأشجاره وأوراقه وأزهاره ,
عالم الحشرات ونحله وهندسته في بناء بيوته ,
علم الرياضيات وأرقامه ومعادلاته ,
علم الهندسة ومعماره وتصاميمه وأرابيسكه ونقوشه ,
علم الكيمياء وجدول مندليف وعناصره ,
وعالم الملك والملكوت وناموسه الإلهي وسننه وقوانينه .
من لا يعرف العروض الرقمي ربما يظن أن ما ذكرته هو من قبيل السخرية , لكنه بالفعل بعضا مما يزعمه أهل الرقمي وأشارت إليه أستاذتنا الكريمة الفاضلة في نهاية مرافعتها .
لكنني وإن عجزت عن مجاراتهم فيما سبق إلا أنني سأناقش العروض الخليلي والعروض الرقمي فيما يتعلق بأوزان الشعر العربي وما وصلنا من القصائد عليها .
ونبدأ بالعروض الخليلي :
وسنبدأ بتعريف بعض المصطلحات لأننا سنحتاج لكثير من اليقظة , ومزيد من المنطق , وللعديد من البديهيات اللغوية حتى لا نقع فريسة في شراك العقل الباطن ( للناقد المحامي ) .
تعريف القاعدة : هي حكم كلي ينطبق على جميع الجزئيات , أي الأصل والقانون الضابط .
وبالطبع لاتوجد قاعدة مثالية مطلقة , فلكل قاعدة ما يشذ عنها ,
لكن أقل ما يفترض في القاعدة لنسميها بهذا الاسم أن تكون جامعة لعدد من الظواهر موضوع الدراسة أكبر من المستثنى منها , وإلا أصبحت القاعدة هي الاستثناء والاستثناء هو القاعدة .
والنص المقتبس الذي قدمته الأستاذة ثناء ليس اعتراضا مني على منهج الخليل كما استهلت مرافعتها بقولها : (لماذا يعترض الأستاذ أحمد سالم على منهج الخليل ؟)
, لأن المناهج تخضع للتقييم ولا تخضع للاعتراض
وتقييم القاعدة يكون بعدد الظواهر المندرجة تحتها مقارنة بعدد الظواهر الشاذة عنها , وكلما زادت المندرجة وقلت الشاذة حازت القاعدة على قبول أكبر , والعكس صحيح , إلى أن يقل عدد الظواهر المندرجة تحت القاعدة عن الشاذة , وهنا ترفض القاعدة ويجب البحث عن قواعد أخرى .
إذن فالنص المقتبس هو تقييم لقاعدة لم تذكرها الأستاذة ثناء في البداية لكنها بدأت من أول خطوات التقييم ثم ذكرتها في سياق المرافعة ولنا عودة لكل ما قالته .
ما هي هذه القاعدة الخليلية وما أهميتها لتكون محور الانطلاق لتقييم بناء الخليل النظري استعدادا لهدمه ولإقامة البناء الجديد ؟؟
القاعدة الخليلية هي : أن أصل البحور التمام مع سلامة الأجزاء ؛ ثم يطرأ عليها التغيير في عدد حروف الأجزاء سماه الزحافات , ونقص في عدد الأجزاء (التفاعيل) سماه الجزء .
ويندرج تحت هذه القاعدة عدةبنود يعرفها كل عروضي وهي :
(1) أصل الأوزان في البحور ذوات التفاعيل السباعية يتكون من ست تفعيلات تامة سالمة الأجزاء , ثلاثة في كل شطر .
(2) أصل الأوزان في البحور ذوات التفاعيل الخماسية يتكون من ثمان تفعيلات تامة سالمة الأجزاء , أربعة في كل شطر .
(3) أصل الأوزان في البحور ذوات التفاعيل السباعية والخماسية يتكون من ثمان تفعيلات , أربعة في كل شطر .
(4) أن كل البحور قابلة للجزء حتى وإن لم تستعمل إلا تامة , وأن كل البحور قابلة لأن تأتي تامة حتى وإن لم تستعمل إلا مجزوءة .
ربما يعترض البعض على البند الرابع ويقول أن العروضيين لم يتفقوا جميعا عليه , وأنا أقول لهم ومتى اتفق العروضيون على شيء ؟؟ ثم ما الهدف إذن من القول بأن أصل الوزن كذا ؟ هل هو من قبيل العبث ؟؟!! فعلى سبيل المثال ماذا كان يمنع الخليل من القول أن أصل المجتث هو مستفعلن فاعلاتن وفقط ماذا يريد من زيادة فاعلاتن ثانية هل هي زيادة بلا هدف ؟؟ ثم إنني جئت بفقه العروض لأهدم ما بناه الخليل والعروضيون من بعده فلا فرق عندي إن اتفقوا أو اختلفوا , ولا فرق عندي بين صحة ماينسبونه للخليل من عدمه فأنا أختصمهم جميعا .
ذكرنا نص القاعدة السابقة (بدون بنودها لأن كل عروضي يعرفها) في الصفحة رقم 9 وبداية النص المقتبس من قبل الأستاذة ثناء يقع في صفحة 14 والصفحات الأربعة التي تفصل بينهما ليس فيها إلا التذكير بالزحافات والعلل وبأوزان البحور الخمسة عشر كما استخرجها الخليل من دوائره , والتي هي موضوع التقييم وإليكم نص الصفحة رقم 9 :
***************************
تصنيف الأوزان إلى البحور ومجزوءاتها :
صنف الخليل الأوزان التي جمعها إلى خمسة عشر وزنا رئيسيا , سماها البحور التامة , اجتهد في استخلاصها مما جمعه ودرسه من الشعر في عصر الاحتجاج (1), واضعا قاعدة عامة في نموذجه النظري وهي : أن أصل البحور التمام مع سلامة الأجزاء ؛
ثم يطرأ عليها التغيير في عدد حروف الأجزاء سماه الزحافات , ونقص في عدد الأجزاء (التفاعيل) سماه الجزء .
وفي محاولة منه لاستنباط الصيغ التامة لأوزان البحور التي لم يجدها مستعملة إلا مجزوءة , عمد الخليل إلى وضع الدوائر العروضية الخمسة , استخرج منها خمسة عشر بحرا تاما سالم الأجزاء ,وسبعة بحور مهملة (لم ينظم عليها العرب شعرا) .
ثم ألحق كلا من الأوزان الثلاثة والستين - التي استخلصها من أشعار العرب - كأوزان تابعة للصيغ الأصلية المستخرجة من الدوائر.
ولتقريب النموذج النظري - الأوزان الأصلية المستخرجة من الدوائر - مع الواقع الشعري وضع الخليل "قواعد" للتغييرات التي تطرأ على التفاعيل (قسمت للزحافات والعلل) , كما وضع مفهوم الجزء ليصنف الأوزان المتشابهة معا تحت بحر واحد (2) .
ـــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــ
(1) عصر الاحتجاج يمتد لـحوالي ٣٠٠سنة (١٥٠عاما قبل الإسلام ومثلها بعده) , ويبدأ تقريبا في عصر امرئ القيس , وينتهي بعصرالشعراء الأمويين .
(2) وضع الخليل والعروضيون من بعده الكثير من المصطلحات لوصف التغييرات التي تحدث سواء في كامل الوزن أو على مستوى التفعيلة , بعضها له وجود في الواقع الشعري, وبعضها مجرد فروض نظرية تولدت بالقياس والتعميم , حتى أصبحت هذه المصطلحات عبئا ثقيلا على علم العروض , زادته تعقيدا حتى نفر منه ليس فقط طلاب العلم بل والكثير من الشعراء أنفسهم , كما يقر بذلك العروضيون .
***********************
إذن من الواضح أنني أقيّم مبدئيا أهم قواعد الخليل وهي أصول الأوزان التي استخرجها من الدوائر , ولأني لا أعطي أحكاما مسبقة , فقد أجلت الحكم على تلك القاعدة بعد أن قدمت البنود السبعة مجتمعة ,
ولأني أناقش علم العروض في أصوله العليا فاكتفيت بالاختصار ولم أتطرق إلى كل التفاصيل , فهذه ليست إلا (عريضة الدعوى) لقبول النظر في القضية , وأما المرافعات والمداولات وتقديم الأدلة التفصيلية وانتظار الحكم النهائي , فكل ذلك مذكور بالتفصيل في أبواب وفصول الكتاب , لذلك لم نطلب حكما نهائيا واكتفينا بقولنا:
ما ذكرناه من ملاحظات يعطي دلالات أولية على البونالشاسع بين نموذج الخليل النظري والواقع الشعري ؛
إذن البنود السبعة مجتمعة بما تحتويه لم تكن إلا ( نظرة سريعة ) لتقييم (أولي ) للقاعدة السابقة , يتبعه التفاصيل , فإذا كانت البحور التي تندرج تحتها 3 بحور فقط والتي تشذ عنها 12 بحرا فهل تسمى هذه قاعدة ؟؟!!!! .
أما ما ذكرته الأستاذة الكريمة ثناء في الرد على كل بند من البنود السبعة فيبدو كمحاولة بائسة من العقل اللا واعي للمحامي الناقد والذي سيطر عليها من أول كلمة في مرافعتها لآخر كلمة ,
وعلى ما يبدو فإنه محام هاو ٍ متطوع ليس لديه وقت لقراءة أوراق القضية ,فهو يعطيها بعضا من أوقات فراغه , وعلى ما يبدو فقد غرّه اتساع صدر المحكمة وهيئة المحلفين , كما غرّته الفسحة التي أعطاها له صاحب الدعوى , فاستهتر غير مرة في تناول القضية , وظن أن بإمكانه نظر عريضة الدعوى ليلغي القضية في ذهن من لا يعرف الفرق بين المحامي والناقد .
ولأن هدفي من إطالة القضية هو أن تكون مباراة بين محترفين ليستمتع بمشاهدتها الحضور الكرام وليعرفوا أكثر عن منهج الخليل ومنهج فقه العروض لذلك ترفقت غير مرة وطلبت أن ينضم عدد آخر من المحامين الرقميين وغير الرقميين لأنني أريد هيئة دفاع قوية عن الخليل .
لكنني لن أسمح بتسطيح القضية وتشويهها لذلك يجب استثارة روح التحدي وإشعال حماسة هذا المحامي الكسول ليبذل قدرا أكبر في البحث ولكي يستعين بمن يستطيع من زملاءه ليقدموا له يد العون , بدلا مما فعله والذي نبينه في التعليقات التالية على كل بند من البنود الستة , ونكتفي بما قلناه في البند السابع ونذكر به مرة أخرى حتى لا ننساه :
ربمايتعجب البعض من قول الأستاذة الفاضلة ثناء :
(ليس هناك ما يثبت أن الخليل قد استخرج البحور المهملة , بل إن تسميتها بالبحور (المهملة) تثبت براءة الخليل من استخراجها , فهي مهملة لأنالخليل أهملها .)
والعجب هنا من أمرين :
الأمرالأول : أن ما يتغنى به الرقميون (ومنهم الأستاذة ثناء ) ويعتبرونه دلالة على عبقرية الخليل وذكائه الخارق هو تصميمه لتلك الدوائر واستخراج الأوزان المستعملة والمهملة منها , الآن تعتبره الأستاذة ثناء اتهام يجب تبرئة الخليل منه .
الأمرالثاني : وهو أكثر عجبا من الأول , هو دليلها وحجتها في نفي التهمة حيث تقرر أن سبب تسميت البحور المهمل بهذا الاسم هو أن الخليل أهملها وليس لأن الشاعر العربي هو من أهملها , وبناءعليه سيكون من باب الفكاهة أن نقول بأن البحور المستعملة سميت بذلك لأن الخليل هو من استعملها وليس الشاعر العربي .
يتبع