السلام عليكم أستاذي الكريم أ / عادل العاني
بداية ومن قولك :
وإذا أخذنا نظريتك في الإنعكاس :
فعولن مفاعيلن ... انعكاسها فعولن مفاعيلن
وهذا ينطبق على البسيط مستفعلن فاعلن ... وانعكاسه مستفعلن فاعلن
وكذلك المديد التام : فاعلاتن فاعلن ... وانعكاسه فاعلاتن فاعلن
وأنا لن أسميه انعكاسا بل سأسميه " خلية موسيقية "
فهذا يعني أنك لم تجد وقتا لقراءة فقه العروض , ولا يمكنني اختصاره في مشاركة , لكن الانعكاس الموسيقي ليس ما ذكرته , ولا يمكن أن يكون الفرق بين ما يقوله الخليل وما يقوله فقه العروض هو مجرد فرق في التسمية ,
وللتعليق على الأوزان الثلاثة وربطها بـ ( قواعد البناء الموسيقي الثلاثة ) التكرار الثنائي والانعكاس الموسيقي والفصل الموسيقي نقول :
(1) البسيط يتبع قاعدة التكرار الثنائي والفصل الموسيقي فقط وليس به انعكاس موسيقي , ونتفق معك في تسمية ( مستفعلن فاعلن ) بالخلية الموسيقية , فنحن نعتبرها (تفعيلة طويلة)أو( جملة إيقاعية طويلة ) واحدة ولا يمكن تجزئتها , ويتكون البحر من تكرارها مرتين وهذا هو ( التكرار الثنائي ) ويتم خبن فاعلن الثانية لعمل الفاصلة الموسيقية (فعلن) , وقد قدمنا بابا كاملا من سبعة مباحث لشرح الفصل الموسيقي , من أول تأصيلة وحتى أثره على الزحافات .
وعندما حاول الشعراء استخدام البسيط مجزوء , ( مستفعلن فاعلن مستفعلن ) بحذف فعلن من نهايته , فقد الوزن خاصيتي التكرار الثنائي والفصل الموسيقي معا , لذلك ماتت كل مجزوءات البسيط , ولم ينج منها إلا ( المخلع ) , لماذا ؟؟ لأنه بكل بساطة استطاع أن يتحور ويصبح تابعا للتكرار الثنائي , وفي تحوره هذا تخلص من كل علاقة له بالبسيط , وهذا كان مضمون بحث الدكتور سليمان أبو ستة والذي قدمته لكم للإطلاع عليه , ونلخص مراحل تحوره وتطوره في الخطوات التالية :
(1) مستفعلن فاعلن مستفعلن ... فقدت مستفعلن الثانية حركة وتدها فأصبحت :
(2) مستفعلن فاعلن مفعولن ... ثم التزم مفعولن الخبن فصارت :
(3) مستفعلن فاعلن فعولن ... كما تخلت فاعلن عن سببها ولم يعد يدخله الخبن فالتحق بنهاية مستفعلن فتشكلت مستفعلاتن وانضم ما بقي من فاعلن وهو وتدها إلى فعولن فصارت متفعلاتن فأصبح الوزن :
(4) مستعلاتن متفعلاتن ... وبذلك أصبح الوزن خاضعا للتكرار الثنائي ( للتفعيلة ) أو ( الجملة الإيقاعية ) أو (الخلية الموسيقية) مستفعلاتن , مع خبن مستفعلاتن الثانية كأصل للوزن ( في مبحث الوتد المفروق قدمنا تفصيلا لمجئ الأسباب الثلاثة المتوالية في كل الأوزان ) , والأذن الموسيقية للشاعر والمتلقي العربي تقبل بتبادل ( مستفعلن مع مفاعلن ) في بداية البسيط ولا تشعر بالفرق بينهما , لذلك فهي تتبادل ( مستفعلاتن مع متفعلاتن ) في المخلع دون أن تشعر بالفرق بينهما , ثم المرحلة الأخيرة من تطور وزن المخلع وهي دخول علة الشق على الوتد الأول من متفعلاتن لتصبح مستفعلاتن كعلة جارية مجرى الزحاف , فيتحول الوزن إلى
(5) مستفعلاتن مستفعلاتن .. لكن مع شرط أن تنتهي كلمة مع ساكن نون مستفعلاتن الأولى لتبدأ ميم مستفعلاتن الثانية مع متحرك كلمة أخرى , وهذا الشرط يجعل الأذن لا تشعر بتوالي ثلاثة أسباب , كما لا تشعر بالفرق بين ( مستفعلن ومفاعلن ) في أول البسيط , وهو نفس الشرط في خمسة أوزان أخرى ذكرناها معا في حديثنا عن الوتد المفروق , كلها تخضع لنفس القاعدة وهي ( توالي وتدين يسبقهما سبب لا يزاحف ) .
هذا ما يقوله فقه العروض عن أوزان البسيط ومجزوءاته , ولماذا ماتت في العصر الجاهلي ولم ينج منها إلا المخلع , والذي أصبح بعد عملية التطور والتحول هذه أصلا لبحر سميناه المتوسط ( لأن تفعليته مستفعلاتن متوسطة الطول بين مستفعلن ومستفعلن فاعلن ) ويتبعه وزن واحد مثالي وهو ( المنسرح ) , ولم يبق من أوزان البسيط إلا البسيط التام ولا يتبعه أي وزن آخر . وبذلك أصبحت فكرة الجزء فيه غير مقبولة , ولحق بأخيه الطويل في كونه لا يستعمل إلا تاما , وبذلك خرج من قاعدة التمام والجزء . ( أتفق مع القول بأن ما أقوله أغلبه مذكور في كتب ومباحث السابقين من أول حازم القرطاجني وحتى الدكتور سليمان أبو ستة , لكننا أضفنا إليها وطورناها مع توافقها التام مع قواعدنا الثلاثة , وهذا ما عنيته باستخلاص بضع جرامات من الذهب الخالص من أطنان الصخور )
أما لماذا لم يخرج المخلع من المنسرح مباشرة بتخلي شطريه عن ( الوتد ) كعملية الحذذ في الكامل التام . فلأن الشاعر العربي كان يستخدم المنسرح بنهايته فعلن , وهي عنده وحدة موسيقية ثابتة لا تتجزء , جرب قبل ذلك التخلص منها في الكامل الأحذ فأنتجت له مجزوء الكامل , وعاش مجزوء الكامل لأنه بعد تخلصه من فعلن ظل خاضعا للتكرار الثنائي , وقد جرب التخلص أيضا من فعلن في نهاية الخفيف التام المحذوف المخبون , فنجحت لأنها أنتجت له وزن مجزوء الخفيف ( فاعلاتن مفاعلن ) وهي تساوي ( فاعلن فاعلن علن ) وهو وزن تابع للتكرار الثنائي للتفعيلة فاعلن مع فاصلة موسيقية علن ,
لذلك فقد حاول الشاعر العربي بنفس الطريقة التخلص من فعلن في نهاية البسيط ظنا منه أن الوزن يمكن له النجاح والاستمرار , لكن لأنه فقد التكرار الثنائي والفصل الموسيقي معا فتحول إلى وزن لا يخضع لقواعد الشعر العربي , فمات مبتسرا لكن بعد أن قام بمهمته في عملية التحور والتطور .
أما الطويل : فكما نعرفه جميعا سلطانا لبحور الشعر العربي , لماذا ؟؟ لأن قواعد البناء الموسيقي للشعر العربي الثلاثة ( الانعكاس الموسيقي والفصل الموسيقي والتكرار الثنائي ) تتداخل معا في هذا الوزن السلطان ويحتفظ بنفس الخصائص في صورة مثالية حتى عند دخول الزحافات عليه ( ونقصد بالطبع الزحافات الواقعية بعد عملية التطور في الزحافات وهي قبض فعولن الأولى والثانية فقط ) ,
وقد شرحنا وزن الطويل بخصائصه الموسيقية في مواضعها , ونعيدها للفائدة :
(2) وزن الطويل ( فعولن مفاعيلن فعولن مفاعلن ) تتكرر فيه التفعيلة الطويلة ( الجملة الإيقاعية ) ( الخلية الموسيقية ) فعولن مفاعيلن مرتين وهذا هو التكرار الثنائي , لكن نلاحظ إن :
(1) مفاعلن في عروض الطويل لا تأتي سالمة إلا في التصريع , ومفاعلن في موسيقى الشعر العربي هي البديل لـ مستفعلن , فالتفعيلة مفاعيلن في الهزج لا تأتي على مفاعلن أبدا , والأخفش يقول أن القبض في الهزج لم يجده لا هو ولا الخليل وأنهم أجازوا القبض بالقياس , ( وقد قدمنا لذلك في باب الزحافات والعلل ) , كما نلاحظ أن قبض مفاعيلن في حشو الطويل يهبط بموسيقى القصيدة ونلاحظ في رحلة تطور زحافات الطويل أن القبض كان بنسبة تتراوح بين 8 % في العصر الجاهلي , إلى صفر % في نهاية العصر الأموي , فما الذي جعل الشعراء يتخلون عن القبض ؟؟
هذا ما تفسره قاعدة الانعكاس الموسيقي والفصل الموسيقي , فوزن الطويل يمكن تقسيمه إلى :
فعولن مفاعيلن فعولن مفاعلن .... كما يمكن تقسيمه إلى
فعولن فعولن . فاعلن فاعلن علن .... حيث تنعكس صورة أوتاد وأسباب فعولن فعولن , في شكل فاعلن فاعلن وهنا ينتهي الانعكاس الموسيقي , ثم تأتي علن الأخيرة كفاصلة موسيقية مشتركة بين التفعيلتين فعولن وفاعلن المكونتين لوزن الطويل , و علن نفسها هي الفاصلة الموسيقية لوزن مجزوء المتقارب بعد تكرار فعولن مرتين , كما أنها الفاصلة الموسيقية لوزن مجزوء الخفيف بعد تكرار التفعيلة فاعلن مرتين ,
فعولن فعولن فعو ... مجزوء المتقارب تكرار ثنائي لـ فعولن + فاصلة موسيقية علن ( فعو)
فاعلاتن مفاعلن ... مجزوء الخفيف , ويمكن كتابته
فاعلن فاعلن علن ... تكرار ثنائي لـ فاعلن + فاصلة موسيقية علن
وبذلك يصبح وزن الطويل خاضعا للقواعد الثلاث لموسيقى الشعر العربي , كما نعرف لماذا تخلص الشعراء العرب من زحاف القبض في الحشو لأن الوزن في هذه الحالة يفقد صفة الانعكاس الموسيقي باندماج السببين حول محور الانعكاس في وتد , وهو نفس تفسيرنا لعدم دخول الخبن على مستفعلن الثانية في السريع , وهو نفس تفسيرنا لعدم دخول الكف على فاعلاتن في الرمل , كل ذلك خلافا لمنهج الخليل في الزحافات , فبدلا من أن يبحث الخليل عن تفسير للظواهر العروضية , طمس حقيقة وجودها ونسبها وجوازاتها وتطورها بمنهجه الذي اعتمده وهو منهج القياس والتعميم .
أما فقه العروض فيدرس مسارات التطور , ثم يضع التفسيرات , ويستخلص منها القواعد الحقيقية , وبعد ذلك سنعطي وصفة التطور لبعض الأوزان التي تأخرت في مسارها , مثل قولنا في المتقارب التام بوجوب حذف العروض وليس بجوازه , وفي قولنا بعدم جواز خبن مستفعلن الثانية في الرجز , وهو ليس فرضا نفرضه على الشعراء , لكنه الوصفة العروضية لتحسين موسيقى الأوزان بناء على رؤيتنا لفقه العروض .
أما وزن المديد فيطول الشرح حوله لذلك نفضل الرجوع إليه في تصنيف أوزان الرمل .
وما يكمل فكرة الانعكاس الموسيقي في الطويل , هو وزن الخفيف , فهو المعكوس الأكثر التصاقا بالطويل عن البسيط :حيث يمكن تقسيم وزن الخفيف
فاعلاتن مفاعلن فاعلاتن .. ... إلى
فاعلن فاعلن فعولن فعولن ..... الخفيف التام
فعولن فعولن فاعلن فاعلن علن ... الطويل التام
حاولت وضع بعض الإجابات على أسئلتك في سياق التوضيح , فأرجو أن أكون قد وفقت في ذلك , كما أرجو أن يكون ذلك دافعا لك لقراءة فقه العروض ففيه الإجابة على كل ما تفضلت به من أسئلة .
دمت أستاذي الكريم في خير وسعادة