تبني التيارات الغربية والقومية الملحدة
لقد صارت الحداثة بوقا لكل مارق أراد الخروج عن القيم والفضائل ,
فواكب هذا المذهب الأدبي الحديث الكثير من النظريات الفلسفية الإلحادية
, والتي كان أربابها من فلاسفة الغرب النصراني , فتبناه كل منافق وزنديق
بزعم مواكبة الحديث , والترفع عن القديم الموروث , فظهرت اتجاهات
فكرية إلحادية متعددة حملت طابع الإلحاد بوجه عام , وإن اختلفت أساليب
تقريرها لهذا المبدأ .
يقول منظر الحداثة أدونيس في رسالته المقدمة لدرجة الدكتوراة::" الثابت
والمتحول , التغيير لا الثبات , والاحتمال لا الحتمية , ذلك ما يسود عصرنا
, والشاعر الذي يعبر تعبيرا حقيقيا عن هذا العصر هو شاعر الانقطاع
عما هو سائد ومقبول , الشعر الذي يهدم كل حد , بل الذي يلغي معنى الحد
؛ بحيث لا يبقى أمامه غير حركة الإباد وتفجيرها في جميع الاتجاهات
[حركة الشعر الحديث:122]
فمثلا نجد الاتجاه الماركسي صريح عند السياب وأدونيس ,والوجودي عند
صلاح عبد الصبور , فالجدلية التي بني على أساسها النظام الماركسي ,
يعبر عنها أدونيس معلنا إلحاده وكفره , فيقول:
إنني لحظة المعجزات
لحظة الموت والحياة
[الحركات الفكرية الأدبية ـ أبا عوض أحمد الفارابي ـ387]
ولعلي إخواني القراء أكون قد أثقلت عليكم بهذا الكفر الممجوج والتبعية
المحتقرة , ولكن من المؤسف حقا أن يتأثر الكثير من أدباء الأمة بهذا
الغثاء وهذا الإلحاد .
بقي أن أؤكد على حقيقة مهمة ينبني على أساسها صدق المعيار الذي به يتم
تققيم هذا الاتجاه الأدبي في الفنون والآداب ذلكم هو الفرق بين القالب
والمضمون , إذ الكثير من أدبائنا في العصر الحديث يصيغون نتاجهم
الأدبي ما بين شعر ونثر بذات القالب الذي يستعمله الحداثييون ؛ فهل
يكون ما تقدم حكما شاملا لكلا النوعيين ؛ بحيث يصدق عليهما وصف
الحداثة , هنا لا بد من التفريق بين القالب والمضمون , فالقالب نقده وتقييمه
ليس من اختصاص نقاد المذاهب والأفكار والعقائد وإنما هو من اختصاص
أهل الأدب والشعر , أما المضمون فهو الذي يجدر الحكم عليه بأنه أحد
المذاهب الإلحادية الهدامة التي استهدفت أدب الأمة وقوام نتاجها من
الشعر والنثر , وإلى هذا أشار شاعرنا الكريم الدكتور عبد الرحمن
العشماوي , فقد نبه إلى أنه قد يكون الرجل حداثيا وليس له ميول أدبي
وإنما صح أن يطلق عليه ذلك لأنه يتبنى أفكار الحداثيين الإلحادية والتي
ترمي إلى التحلل من كل القيود والمعايير.
أما عن الرمزية التي عدها أهل الأدب من أهم مميزات الفكر الحداثي ,
فيمكن أن نضيف إليها تنبيها آخر , وهو كونها أداة استعملها الحداثييون
لهدم اللغة العربية لغة القرآن الكريم , ولا شك أن الحفاظ عليها حقيقته
إعمال للأمر بتدبر القرآن وحفظه والعمل به , إذ يفرق بين الإيجاز الذي
هو من أسس البلاغة والفصاحة , حتى أن بعض الأدباء عرف البلاغة
بأنها الدلالة على المعنى بأوجز لفظ وأبينه , يفرق بين هذا الأسلوب
المعهود في القرآن الكريم ولا أريد أن أطيل في هذا المجال بذكر آيات ورد
فيه هذا اللون حتى لا يطول بي المقام و إنما فقط أردت التنبيه , أقول يفرق
بين هذا الإيجاز وبين الغموض والإبهام وتبطين الكلمات بقصد الإغراب
والتمويه , إن هذا مما يفسد جمال اللغة ويهوي بالأدب والفنون بعيدا عن
المبتغى منه إذ الترقي بالقيم والأخلاق وتصحيح المفاهيم وتطييب
الأحاسيس هي أهم ما يرمي إليه فأين هذا من وساوس العفاريت
, وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلى الله على
نبينا وآله وصحبه أجمعين