قالت الغيمة ربابة* للسحابة مزنة* حين مرت بها ذات يوم:
- لماذا تسيرين هكذا بتثاقلٍ كأنك امرأة حامل؟
تنبّهت مزنةُ إلى ربابة وهي تمرُّ بها خفيفةً رشيقةً ورمَقَتْها بنظرة ازدراءٍ وقالت:
- هنيئاً لك رشاقتك وخفّتك.. أراك كما أنت دائما بملابسك البيضاء، أنانية لا تلقين بالاً لغيرك.
قالت ربابة لمزنة بتوتر:
- ولماذا أشغل نفسي بالآخرين؟ ها أنا حرّة، أحب اللهوَ مع الطيور في الجو، على الأقل لستُ مثلك، دائما تمرين فوق الحقول متثاقلة، بوشاحك الأسود الداكن، كأنك أم الخير تبحثين عن المزروعات العطشى.
ضحكت مزنة من قول ربابة:
- أنا لستُ بخيلة مثلك، ومهمتي أن أرْوي عطش الناس والنباتات والحيوانات، أحبُّ أن أهَبَ الحياةَ للأرض، والماءُ هو الحياة، كأنك لم تسمعي قول الله سبحانه وتعالى {وجعلنا من الماء كل شيء حي}.
لم تُعرْ ربابة اهتماما لقول مزنة، وانطلقت مبتعدة مع الريح.
أما مزنة فظلت تحوم حول الحقول حتى وجدت فلاحا يحرث الأرض بهمة نشاط، وراحت تراقبه عن كثب..
نظر الفلاحُ نحو مزنةَ فوجدَها مثقلة بالماء، فاستبشر خيرا، ورفع يديه إلى السماء يدعو الله..
ابتسمت مزنة وهبطت نحوه وحيَّتْه:
- السلام عليك أيها الفلاح.
فوجئ الفلاح وبُهتَ، فهذه أول مرة تخاطبه سحابة، ولكنه تمالك نفسه ورد التحية بأحسن منها.
- وعليك السلام ورحمة الله أيتها السحابة الطيبة.
- أراك تحرث حقلك.
- نعم فنحن في فصل الشتاء ننتظر الخير والبركة من أمثالك.
- بارك الله فيك ورزقك.. بم يمكنني أن أساعدك؟
ابتسم الفلاح وقال: أنتِ وكرَمك، فالماءُ عندك وفيرٌ، وحقلي بحاجةٍ للماء.
- ولكن قل لي، عندما يستحصد زرعك، كيف تفعل؟
قال الفلاح بخجل:
- عندما أحصد زرعي أقسمه إلى ثلاثة أقسام، قسْمٌ أحتفظ به كبذار للموسم القادم، وقسْمٌ أبيعُه لشراء ما تحتاجه أسرتي، والقسم الثالث ..
صمت الفلاح وطال صمته حتى ظنت السحابة أنه لن يتكلم، وأخيرا قال .. القسم الثالث من حق الفقراء والمُعْوِزين من أبناء قريتي.
هنا صاحت السحابة : الله أكبر ، أنت أحق بالمساعدة من سواك.
ثم أمطرت فوق حقل الفلاح حتى فاض بالماء ، وقالت قبل أن ترحل:
- بارك الله في رزقك أيها الفلاح.
* الرباب هو السحاب الأبيض غير الممطر
* المزن هو الغمام المحمل بالمطر الغزير