الدوائرُ العروضيَّةُ بدونِ بحورٍ مُهمَلةٍ
كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن دوائر الفراهيدي ومبدأ التدوير في الشعر العربي , كما ظهرت دعوات لاعتماد الواقع الشعري لدعم البحور والأوزان المعتمدة في الشعر.
كلنا نقر بعبقرية الفراهيدي والتي وضعت الأسس لعلم العروض بغض النظر عما يقيمه كل منا لنتائج ذلك.
فالتدوير أساس من أسس الشعر العربي وهو واقع وليس مفروضا من قبل الفراهيدي , وما لا يدور لا يعتبر منشأ وفقا لقواعد الشعر العربي, فالشعر العربي انطلق من دائرة وسأثبت ذلك في موضوع آخر.
وإذا كانت البحور المهملة تؤدي لاعتراضات على منهج الفراهيدي فما علينا إلا التفكير بفرضيات أخرى تدعم مبدأ التدوير الذي اعتمده الفراهيدي وأنا أعتبر التدوير قاعدة أساسية للشعر العربي وليس شعرا ما لم يمكن تدويره " تاما " بتفعيلاته وليس بتفعيلات مزاحفة.
وعودة إلى دائرة المختلف والتي بدأت بعرض مخططاتها البيانية في موضوع آخر, ونعلم أن دائرة المختلف اعتمدت على بحر الطويل كبحر أساس لها وهو من أكثر البحور التي استخدمها الشعراء العرب ويعتبر البحر الأول للشعراء الكبار,
وبحر الطويل يعتمد على خليتين شعريتين " فعولن مفاعيلن " تتكرر في الشطر الواحد.
الفرضية التي اعتمدها العروضيون في السابق في التدوير هي اعتمادهم على تدوير وتد أو سبب و اعتبروها أصغر وحدة عروضية.
وهذا ما أنتج عندهم نتائج جانبية سميت " بحور مهملة ". ولا أستطيع الجزم بأن الفراهيدي هو من أقر مبدأ التدوير هذا لأنني سأتطرق لأمر مهم جدا لاحقا.
ولو نظرنا إلى البحرين المهملين الناتجين من التدوير فهما البحر الثاني والبحر الرابع , وهندسيا فإن سبب ذلك هو صغر الوحدة المعتمدة للتدوير, الوتد أو السبب.
وهذا دفعني لإعادة النظر في قاعدة التدوير المعتمدة على الوتد والسبب وتغييرها بما يلائم عدم إنتاج بحور مهملة.
وبإعادة تشكيل الوحدات العروضية على أسس جديدة تعتمد على أصغر وحدة تفعيلية وإيجاد علاقة بين محتوى الشطر الواحد وسأعتمد الأسس التالية :
1 - البنى التحتية للشعر العربي تتكون مما يلي:
فعولن فاعلن فعْلن فعِلن
وهذا ينطبق على كل بحور الشعر العربي دون الأخذ بنظر الإعتبار التفعيلات العشرة المعتمدة.
2- اعتماد ماذكرته أعلاه أساسا للتدوير.
3- لا يجوز تدوير الوتد لأنه خارج الفرضية.
4- اعتماد التام للبحور المطبقة تاما واعتماد المجزوء أو الواجب اتباع عروض وضرب معلولين.
5- اعتماد الخلية الشعرية أساسا للتدوير.
دائرة المختلف
وهي الدائرة التي اعتمدت على بحر الطويل في إنتاجها ويتكون كل شطر فيها من خليتين مركبتين عروضيا .
بحر الطويل :
فعولن مفاعيلن فعولن مفاعيلن ... 1
وبإعادة الصياغة وفقا للأسس الجديدة
فعولن مفاعيلن ... فعولن مفاعيلن
أي أن باعتماد التقطيع الجديد:
فعولن فعولن فعْ ... فعولن فعولن فعْ
وبما أن مبدأ التدوير يعتمد على الوحدات التي ذكرتها أعلاه , إذن سيبدأ التدوير بـ " لنْ فا " أو " فعْلن ".
ويتم التدوير بنقل آخر وحدة عروضية من آخر الشطر لأوله:
فعْلن فعولن فعو.. لن فعْ فعولن فعو
( مستفعلن فاعلن .. مستفعلن فاعلن )
وهو بحر البسيط. ... 2
ثم بنقل التفعيلة الآخرى " فاعلن" من آخر الشطر لأوله فينتج :
فاعلن فعْلن فعو ... لن فعولن فاعلن
فا فعولن فاعلن ... فا فعولن فاعلن
وباستمرارية الشطر يكافئ :
فاعلن فعْلن فعولن فعولن فاعلن
وهذا يكافئ:
( فاعلاتن فاعلن فاعلاتن فاعلن ) ... 3
وهذا هو بحر المديد.
وبهذا ينتهي ما يجوز تدويره وفقا للقاعدة أعلاه.
وللتأكد من قفل الدائرة ننتقل لنقل الوحدة العروضية الثالثة "علن " والتي لايجوز تدويرها, من آخر الشطر لأوله فينتج :
علن فاعلن فعْلن ... فعولن فعولن فا
فعولن فعولن فا ... فعولن فعولن فا
وهذا أيضا باستمرايته فالشطر فيه يكافئ:
فعولن فعولن فاعلن فاعلن فعْلن
( فعولن مفاعيلن فعولن مفاعيلن ) ... 1
وهكذا اكتملت الدائرة بإنتاج بحورها الثلاثة المعتمدة , بدون إنتاج أي بحر مهمل.
سأضع مخططاتها في ردّ لاحق , ثم سأعرض بقية الدوائر.