حدثث قصّة مشابهة لها في فرنسا قبل سنوات عديدة , وحظيت باهتمام شعبي واعلامي واسع
سرى طويلا بسيّارته , في هذا الطّريق الطّويل الموحش , كان ينقل بضائعا بين المدن , يعمل بكثرة ويستعدّ لعرسه , ينطلق باكرا ولا يعود الاّ بعد منتصف اللّيل .
اقترب من بلدته لكنّ الطّريق لا يزال خاليا , ولا شيء غير الظّلام الدّامس , وفجأة طلعت فتاة في العشرين ترتدي فستانا أبيضا , واقفة بجانب الطّريق , أوقف السّيّارة وأشار اليها كي تصعد ليوصلها .
جلست بجانبه في الأمام , - أوصلك إلى المدينة ؟ , - نعم , لم يُرِد أن يشغل باله بقصّتها وكيف وقفت في هذا المكان البعيد وحيدة , وليلاً , لكنّه كان يشعر بالوحدة ووجد أنيسًا .
- تُريد أن تتزوّج ؟ نسيتَ وردة ؟ , - وردة ماتت في حادث سيّارة , ومضت سنوات , وبدأت أتعافى من ألم فراقها , - تنهّدت بعمق وقالت : هل تذكر ذلك الكرسيّ الجانبيّ في ساحة الحديقة , وعامل النّظافة الّذي كان يترك الدّنيا ويأتي ليتسامر معكما , أنت ووردة , وقصصه الطّريفة ؟ ضحك , وضحكت , وضحكا بصوت مرتفع , ودوّت قهقهتهما المكان , ثم صمتا لبرهة . - في آخر موعد لك معها لم يكن موجودا عامل النّظافة , وأخبركما صاحبه بأنّه مات وحيدا في غرفته , قالت لك وردة بأنّها ستسافر غدا مع جدّتها إلى العاصمة , وقلت لها حينها بأنّك لن تصبر على فراقها وبأنّك لن تنساها أبدا , وكان السّفر الّذي وقع فيه الحادث , الجدّة عاشت ووردة ماتت , بكى , وبكت , ودوىّ صوت نحيبهما المكان , ثم غرقا في بحر الصّمت من جديد .
رأت وردة حمراء موضوعة أمامها أسفل الزّجاج الأمامي للسيّارة , قالت له : اعطني هذه الوردة الحمراء , سلّمها إيّاها , أمسكتها بكلتا يديها , وبقيت منتصبة تنظر إلى الأمام , دخل أطراف المدينة , وحين مرّ بقرب جدار مقبرة البلدة الكبيرة قالت له : أوقف السيّارة لأنزل هنا , أوقف السّيّارة , نزلت , ثم اختفت في الظلام . كان التّعب قد أنهكه , فما إن وصل إلى بيته حتّى ارتمى على سريره وغاص في نوم عميق .
حين أفاق في الصّباح , تذكّر وردة , وحنّ اليها , وكان أوّل شيء قرّر فعله في يومه هذا , هو الذّهاب لزيارة قبرها في أطراف المدينة , وكان لم يزره من يوم دفنها , لأنّه لم يكن يقدر على ذلك .
دخل المقبرة الخالية وحيدا , لم يعتد أي أحد أن يدخلها صباحا , مشى بين القبور حتّى وصل إلى قبرها , جلس كي يقرأ على روحها الفاتحة , فشاهد وردة حمراء قد وُضِعت على قبرها .