فهذا الجهل ليس هو إلاّ ظلمات بعضها فوق بعض وسرابٌ يحسبه الظمآن ماءً.
كان السلف الصالح وغيرهم من علماء الإسلام يمسكون عليهم ألسنتهم إلا لضرورة ليس لهم منها بدٌّ، مع ما لديهم من علمٍ غزير وأدبٍ كثير، قال عنهم شيخ المالكيَّة في عصره سَحْنُون عبدالسلام بن حبيب:
كان بعضُ مَن مضى يريد أن يتكلم بالكلمة، ولو تكلَّم بها لانتفع بها خلقٌ كثير، فيحبسُها،
ولا يتكلَّمُ بها؛ مخافةَ المباهاة، وكان إذا أعجبه الصمتُ تكلَّم، ويقول:
أجرَأُ الناس على الفُتيا أقلُّهم علمًا
قال ابن الجوزي في (صيد الخاطر): إذا صحَّ قصدُ العالم استراح من كَلَف التكلُّف؛ فإن كثيرًا من العلماء يأنفون من قول: لا أدري؛ فيحفظون بالفتوى جاهَهم عند الناس؛ لئلَّا يُقال: جَهِلوا الجواب، وإن كانوا على غير يقينٍ مما قالوا، وهذا نهاية الخِذلان.
وقد رُوي عن مالك بن أنس: أن رجلًا سأله عن مسألة، فقال: لا أدري،
فقال: سافرتُ البلدان إليك، فقال: ارجع إلى بلدِك، وقل: سألتُ مالكًا، فقال: لا أدري.
فانظر إلى دين هذا الشخص وعقله؛ كيف استراح من الكلفة، وسَلِم عند الله عز وجل؟!
وقال عطاء بن السائب، عن أبي البختري، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: وأبردُها على الكبد إذا سُئلتُ عمَّا لا أعلم أن أقول: الله أعلم[3].
فكيف لو كان المتكلمُ الجاهل لا يمتُّ للفقه بصلة، ولا للعلم الشرعي بسبب؟!
أكيد سيأتي بجهله على الأخضر واليابس، كما هو مُشاهَد في واقعنا الحاضر.
موضوع رائع وقسم فشكرا لك وبارك الله فيك
وجزاك الجنة.