( اليوم الأول )
شوارع متشابهة متشابكة ..
أقسمت المدينة أن أتوه بين قسمات الوجه البارد
و سخرت المباني الشاهقة من حيرتي
أسرعت بين النواصي .. و على عتبة مدرسة عتيقة توقفت
رمقني عصفور صغير من النافذة .. صدح :يا ربوع بلادي ..
و خنقني الدمع
( اليوم الثاني )
لأول مرة أشعر ببعض الألفة !!
تجولت بين الأرفف
أسرتني غيبوبة قراءة بين صفحات الكتب
و أسرتني المكتبة بين أسوارها
و كعاصفة مباغتة
لمح برق العنوان : وطني بين النار .. و النار
( اليوم الثالث )
إلى جبال الشمال ..
كانت الرحلة قصيرة .. و باغتني قرب الجبال
دوما جبال الإسمنت تحمينا من جمال جبال الطبيعة
السعادة طافت بالجميع و فاتتني ..
الأشجار .. النهر .. الجبل .. الغيم الأبيض .. الزرقة النقية
كل همسة نسيم هنا تلفحني بالشوق إلى بلدي
هب يا صبا الوطن
و اصدح أيها البلبل الصادي : غال ترابك يا وطني
( اليوم الرابع )
بدأ العمل .. و غرقت في المكتب
انقشعت سحب الوحدة .. و رشقتني المتعة ببعض سهامها الذهبية
تعبت .. توقفت دقائق للراحة .. و أخذت سبيلي إلى النافذة لعلي أشاركها تطلعها إلى العالم
صدمتني جدران الإسمنت من حولي
أين اللوزة العملاقة ؟
تذكرت .. لقد تركتها ورائي في الوطن !!
هاهي السحب تتكاثف من جديد
( اليوم الخامس )
الأفكار تطوف برأسي منذ الصباح
بعد الانتهاء من العمل أحببت أن أطوف في المدينة قليلا لعل رأسي يرتاح لدقائق
شعرت بأني أرتجف في أعماق معطفي
الوجوه الباردة .. الجدران المتشابكة .. بريكات المياه المتناثرة .. زخات المطر الخفيفة
أي يوم انتقيت لأتجول في هذه المدينة العجيبة ؟
باغتني صوت عذب .. أعرف هذا النقاء
أسرعت في مشيي .. و عنده تجمدت ..
أخيرا .. قطعة من الوطن .. يا لعظمة المسجد !!
( اليوم السادس )
البخار يتصاعد من فنجان القهوة .. ما إن يفرغ حتى تملأه كفي ثانية
و عقلي .. يدور كمكوك بين الأوراق المتناثرة
باغتني رنين الهاتف .. أسرعت إليه : آلو .. و عليكم السلام .. أمي
نسيت العاصفة الرعدية في الخارج .. نسيت الوحدة تضطرم في أعماقي
و غمرني الدفء .. هذا صوت وطني الأول .. أغلى وطن
كم كنت بحاجة لنبرة الحب الحاني !!
( اليوم السابع )
بدأ الخدر يتسلل إلى جسدي و لما أقض ساعة في العمل بعد
حاولت الهروب من أفكاري .. لكن إلى أين ؟
تشاجرت مع ذاتي .. قد أقسمت لي أن تكف عن الدوران في أفلاكها الغائرة
و يبدو أن الدوران لن يكف عنها
استأذنت .. و فررت من أزيز الأجهزة .. من أوراق التقارير .. من الخطوات
رفعني المبنى على ذراعيه .. رمقتني السحب بدفء و ضاحكتني الطيور
غمغم زوج فلامنكو بعيد : أتأتين ؟؟
قهقهت الزرقة ساخرة .. تنفست الهواء الغريب .. و عاد طعم المرارة يملأ فمي
ما أصعب الغربة !!
( اليوم الثامن )
قيدني الفراش .. و انتشلني الخدر من عملي
استيقظت قبيل الظهيرة ..
القلم قريب .. رغبة طاغية تحرك يدي إليه
حاولت اصطياده .. و عندما أفلحت .. وجدت الفريسة أفلتت
طارت الكلمات !!! و غفا المرض على صدري
( اليوم التاسع )
فتحت عيني ببطء
استحال ما حولي رماديا باهتا ..
و ارتعشت الأجسام
يبدو أن صديقتي كانت محقة بشأن الأثاث .. إنه ليس ثابتا
و ... لم أعد أشعر بشيء !!
و للصفحات بقية ...
تحياتي .. و أجمل باقة ورد لكم جميعا
أختكم
غموض