أشرقت
فتَحتْ طفولتَها على عينٍ تواريها براويزُ الأشعة في جنوب اليتم .. ،
ذات محبة راحت تراود نفسها عن نفسها ..، تنسابُ في المرآة ، تبدو سِدْرةً حينًا ، وحينا تشتهي جسد التَّمنِّي عاريًا .. ، دقّتْ محطات الأنوثة في السياسة ..، أشرقت
من عتبة النّص أي العنوان يشرق نور يشير إلى معان سامية توحي بالعلوّ والفوز في النّهاية... فالنّور رمز قدسيّ إلهيّ ( الله نور السموات والأرض) (نور على
نور) .. فالقارئ أمام عنوان يلمّح بنهاية مضيئة.
تبدأ القصّة بالفعل الماضي فتحت... الفعل فتح نتيجته عمليّة كشف.. والكشف هذا من الطّفولة، أي منذ البداية لأنّ الطّفولة هي المرحلة العمريّة الأولى، وأوّل ما كشفت عينها أنّها تختفي خلف براويز الأشعّة في بيئة حرمان ويتم ..
الفعل تواري دلالته سلبيّة : { فَبَعَثَ اللهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْأَةَ أَخِيهِ }.حيث ارتبط بإخفاء جريمة قتل..
البرواز هو تقييد وحصر لما في داخله، لكنّ هذه البراويز من أشعّة، والأشعّة ثنائيّة الدّلالة: الإشعاع الإيجابيّ المضيء، والإشعاع السلبيّ الحارق، والمرجّح هنا النّوع الثّاني، فهي محصورة داخل إطار من السّلبيّة تعاني آفات اليتم أي القهر والعوز، وليس أيّ يتم إنّه يتم الجنوب، والجنوب رمز التّعصّب سياسيّا، والفقر اقتصاديا...
أجد هنا مقدّمة رائعة تصف الحالة السّياسيّة لمعظم الدّول العربيّة غير المتكاتفة، المتناحرة، وكأنّ كل دولة يتيمة تعاني الوحدة والظلم. إذا أردنا تفكيك الرّموز سياسيّا.
بعد ذلك يتمفصل الحدث وتبدأ مرحلة الرؤية الذّاتيّة التي حصلت ذات محبّة! المحبة للذات وللآخر لأنّ للمحبّة لا بدّ من طرفين، وإن كانت محبّة الذّات، والذّات واحدة(عربيّة).. فراحت ( تراود نفسها عن نفسها) . الفعل راود على وزن فاعل، وهو فعل فيه مشاركة، والمراودة كان الشّريك فيها النّفس إيّاها. الفعل يذكّر بقصّة النبيّ يوسف الذي يرمز للطّرف المظلوم، وقد جاء في القرآن الكريم بمعنيين مختلفين:
راوده: راجعه وناقشه : { قَالُوا سَنُرَاوِدُ عَنْهُ أَبَاهُ وَإِنَّا لَفَاعِلُونَ }
راودته: أغرته بفعل الفاحشة عن طريق الاحتيال : { وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَنْ نَفْسِهِ } .
والاستعمال بمعنى الحوار والمناقشة ، فكان أمام المرآة، والمرآة هي الحقيقة وتعكس الصّدق، صدق الشعور والسّلوك، هي الذّات، وظهرت لها الحقيقة بصورتين:
(بدت سدرة حينا)، والسّدرة دلالتها مقدّسة وهي شجرة من أشجار الجنّة، فشجرة السّدر لها منزلة كبيرة في الإسلام حيث ورد ذكرها في القرآن الكريم أربع مرات كما كرّمها الله عز وجل بأن جعل سدرة المنتهى في أعلى مراتب الجنة عند عرش الرحمن، وهي رمز الخلود في التّراث اليونانيّ، وتمتاز بفوائدها الكثيرة وكثرة ثمارها.
أمّا الصّورة الثّانية فهي النّقيض (وحينا تشتهي جسد التَّمنِّي عاريًا) . العري يدلّ على الهبوط من مستوى إلى آخر، وهو انكشاف الحقيقة أيضا، والحقيقة المشتهاة اللا شيء!
صورتان متناقضتان تراهما عند الوقوف أمام الذّات: القدسيّة والخيرات الكثيرة، والتجرّد والعدميّة !
هذا يعكس حالة من الصّراع وعدم الاستقرار لتحديد الحالة القائمة، وتأتي بعد هذا الصّراع مرحلة تحوّل فاصلة (، دقّتْ محطات الأنوثة في السياسة) .الاتّجاه أصبح نحو السّياسة، محطّات الأنوثة إشارة إلى الثّورة، والثّورة كلمة مؤنّثة، وكانت أكثر من واحدة... والنّتيجة المتوقّعة: الإشراق!
والإشراق نور، والنّور مقدّس، ودلالته النّصر: { وَأَشْرَقَتْ الْأَرْض بِنُورِ رَبّهَا }
هو إشراق بعد ليل طويل من المعاناة، ونهاية تفاؤليّة لإنهاء حالة اليتم والبؤس والصّراع، وأمل بأن تحظى الدّول بالنّور المطلوب.
ظهر التّناصّ الدّينيّ جليّا في هذه القصّة بإيحاءات من الألفاظ: وأشرقت، تواريها، تراود وسِدْرة، وكان من مدعّمات النّص لتؤكّد إسلاميّة الدّول، ومتانة السّرد.
القصة الشاعرة "أشرقت" قامت على تفعيلة بحر "الكامل" (متفاعلن)' لما في هذه التفعيلة من كمال واحتواء للحزن والفرح في آن ' وتوكيدا على أصالة الفكرة وعروبية الحدث في الوقت الراهن...
- لفظة "أشرقت" هي العنوان، وهي الخاتمة.. جاءت اسما في العنوان ، بينما كانت فعلا في الخاتمة..
قصّة ملفتة أديبنا
تقديري وتحيّتي