"الهَارب"
يعرفونه في عُمر الأربعين، رجُلٌ طَيّب، شَهم، يبتسم كثيرا، وصاحب مواقف. أوّل ما يتبادر إلى أذهانهم حين يُذكر اسمه: والد التوأم، شاهدوه دائما وعلى مدار أربع سنوات وهو يخرج بهما إلى المدرسة، يسلم يديه لكليهما، يد واحدة كبيرة ليد واحدة صغيرة، يضع حقيبتيهما على كتفيه، حقيبة واحدة على كل كتف... قالوا دائما: أنّهما عيناه.
صديقات زوجته ولعشر سنوات سابقة بقين يردّدن: محظوظة هي، أحبّها.. أحبته وتزوَّجا، عاملها دائما بطريقة جيدة.
أما هما فكانا راضيين، وجد كل منها في الآخر ما يدفئ برودة وحدته بعد وباء أصاب القرية وقضى على عائلتيهما.
كان وطنا لها، لم تشعر بالغربة معه إﻻ قبل شهر واحد، لما عادا من عزاء قريبة له، التزم صمته طول الطريق وطلب أخيرا أن ينام في غرفة الجلوس، في اليوم التالي، اختفى من المنزل... فتشوا عنه في كل مكان.. في المستشفيات، مراكز الشرطة، بيوت أصدقائه ... لم يعثروا على أي إشارة.
قال طفله: يومها نظر إلي بطريقة غريبة لم أفهمها.. وعندما سألته عن الأمر، لم يجب.
أما هو ففضل أن يستظل بظل شجرة منتكسة بعدما قطع مسافة طويلة ، تكرر صوت قريبته العجوز في أذنيه مرارا، -كان صغيرا جدا حين رحلت إلى مدينة أخرى_، قالت بترحاب بعدما صادفته في منزل العزاء وأفصح عن اسمه : تفضل بالدخول، ليس في الغرفة الأخرى غير اختك.
تضاحك حين لمح زوجته من بعيد، كرر الكلمة باستهزاء: أختي!!
هزت رأسها موافقة: حملتها بيدي إلى حضن أمك عندما كانت صغيرة، غابت أمها ليوم كامل، جاعت .. بكت، فأرضعتها أمك معك.
- فاطمة أختك من الرضاعة.