في مدح سيف الدولة1
أبو الطيب المتنبي
على قدر أهل العزم تأتي العزائم *** وتأتي على قدر الكرام المكارم
2
وتعظم في عين الصغير صغارها *** وتصغر في عين العظيم العظائم
3
يكلف سيف الدولة الجيش همه *** وقد عجزت عنه الجيوش الخضارم
4
ويطلب عند الناس ما عند نفسه *** وذلك ما لا تدعيه الضراغم
5
يفدي أتم الطير عمرا سلاحه *** نسور الملا أحداثها والقشاعم
6
وما ضرها خلق بغير مخالب *** وقد خلقت أسيافه والقوائم
7
هل الحدث الحمراء تعرف لونها *** وتعلم أي الساقيين الغمائم
8
سقتها الغمام الغر قبل نزوله *** فلما دنا منها سقتها الجماجم
9
بناها فأعلى والقنا تقرع القنا *** وموج المنايا حولها متلاطم
10
وكان بها مثل الجنون فأصبحت *** ومن جثث القتلى عليها تمائم
11
طريدة دهر ساقها فرددتها *** على الدين بالخطي والدهر راغم
12
تفيت الليالي كل شيء أخذته *** وهن لما يأخذن منك غوارم
13
إذا كان ما تنويه فعلا مضارعا *** مضى قبل أن تلقى عليه الجوازم
14
وكيف ترجي الروم والروس هدمها *** وذا الطعن آساس لها ودعائم
15
وقد حاكموها والمنايا حواكم *** فما مات مظلوم ولا عاش ظالم
16
أتوك يجرون الحديد كأنهم *** سروا بجياد ما لهن قوائم
17
إذا برقوا لم تعرف البيض منهم *** ثيابهم من مثلها والعمائم
18
خميس بشرق الأرض والغرب زحفه *** وفي أذن الجوزاء منه زمازم
19
تجمع فيه كل لسن وأمة *** فما تفهم الحداث إلا التراجم
20
فلله وقت ذوب الغش ناره *** فلم يبق إلا صارم أو ضبارم
21
تقطع ما لا يقطع الدرع والقنا *** وفر من الأبطال من لا يصادم
22
وقفت وما في الموت شك لواقف *** كأنك في جفن الردى وهو نائم
23
تمر بك الأبطال كلمى هزيمة *** ووجهك وضاح وثغرك باسم
24
تجاوزت مقدار الشجاعة والنهى *** إلى قول قوم أنت بالغيب عالم
25
ضممت جناحيهم على القلب ضمة *** تموت الخوافي تحتها والقوادم
26
بضرب أتى الهامات والنصر غائب *** وصار إلى اللبات والنصر قادم
27
حقرت الردينيات حتى طرحتها *** وحتى كأن السيف للرمح شاتم
28
ومن طلب الفتح الجليل فإنما *** مفاتيحه البيض الخفاف الصوارم
29
نثرتهم فوق الأحيدب نثرة *** كما نثرت فوق العروس الدراهم
30
تدوس بك الخيل الوكور على الذرى *** وقد كثرت حول الوكور المطاعم
31
تظن فراخ الفتخ أنك زرتها *** بأماتها وهي العتاق الصلادم
32
إذا زلقت مشيتها ببطونها *** كما تتمشى في الصعيد الأراقم
33
أفي كل يوم ذا الدمستق مقدم *** قفاه على الإقدام للوجه لائم
34
أينكر ريح الليث حتى يذوقه *** وقد عرفت ريح الليوث البهائم
35
وقد فجعته بابنه وابن صهره *** وبالصهر حملات الأمير الغواشم
36
مضى يشكر الأصحاب في فوته الظبا *** بما شغلتها هامهم والمعاصم
37
ويفهم صوت المشرفية فيهم *** على أن أصوات السيوف أعاجم
38
يسر بما أعطاك لا عن جهالة *** ولكن مغنوما نجا منك غانم
39
ولست مليكا هازما لنظيره *** ولكنك التوحيد للشرك هازم
40
تشرف عدنان به لا ربيعة *** وتفتخر الدنيا به لا العواصم
41
لك الحمد في الدر الذي لي لفظه *** فإنك معطيه وإني ناظم
42
وإني لتعدو بي عطاياك في الوغى *** فلا أنا مذموم ولا أنت نادم
43
على كل طيار إليها برجله *** إذا وقعت في مسمعيه الغماغم
44
ألا أيها السيف الذي ليس مغمدا *** ولا فيه مرتاب ولا منه عاصم
45
هنيئا لضرب الهام والمجد والعلا *** وراجيك والإسلام أنك سالم
46
ولم لا يقي الرحمن حديك ما وقى *** وتفليقه هام العدا بك دائم