المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عطية العمري
الحلقة الأولى
نتحدث الآن عن كيف كانت البداية لي لأتعرف على نظام السويد في التعليم حيثُ كنتُ أعيش دوامة القلق على مستقبل أبنائي الذين لم أكن لأتركهم في بلدي وأنا أعيش في مكان آخر.
قبل قراري بالسفر كنتُ أتساءل كيف سيكون مستقبل أبنائي إذا أخذتهم معي كيف سيتمكنون من مواصلة دراستهم وهل سيستمرون على المنهج السعودي أم سأدرسهم في المدارس السويدية ؟ كُل هذه الأسئلة وغيرها كانت بمثابة الدوامة التي لا أنفك أفكر فيها حتى كاد رأسي ينفجر، بل إنني لنفس السبب كدت أن أقرر إلغاء بعثتي .
الخيارات أحلاها مُر فإن تركتهم ماذا ستكون النتائج حيثُ لا يمكن للأم أن تتواصل مع مدارس الأبناء من البنين وهل ستستطيع التحكم فيهم فأنا أعرف أن أبنائي في عمر يصعب التحكم فيه إلا بالمتابعة اللصيقة لهم
وكان اتخاذ قرار بقاء أكبر أبنائي وحيداً هو القرار الأصعب فأخذه معي مع بقية إخوانه كان سيؤثر على مستقبله لأنه في السنة الأخيرة للثانوية العامة والأمل في دخوله كلية الطب بجامعة جازان أصبح وشيكاً خاصة وأن تحصيله العلمي يؤهله لذلك وهذا ما أرجوه وكل شيء بأمر الله .
المهم توكلت على الله وحزمت أمري على السفر بأبنائي الستة وجدان بثانية ثانوي وعلي في الثالث متوسط ووسيم بالثاني متوسط وعمرو بالأول متوسط وجميلة بالصف الخامس وأصغر أبنائي كان لا زال في الرابعة من عمره وبقي أكبر أبنائي لمواصلة دراسته للفصل الثاني الصف الثالث الثانوي والذي ستبدأ اختباراته النهائية يوم السبت القادم وأسأل الله له ولجميع أبنائي وأبناء المسلمين النجاح والتوفيق
علماً أن أبنائي الآن سيختبرون المنهج السعودي في نفس مواعيد امتحانات السعودية مع جميع أبناء المبتعثين الآخرين بعد أنهوا اختبارات المنهج السويدي
وهنا دعوني أعود بكم إلى كيف التحق أبنائي بالمدارس السويدية ومن هنا بإمكانكم أن تتابعوا معي تجربة التعليم في السويد
وصلت السويد في بداية الفصل الثاني كان حينها لا زالت مدارس السويد تستكمل إلحاق أبنائها الذين بلغ عمرهم السن القانوني للدراسة بالمدارس بمختلف المراحل حيثُ يتم التسجيل إجبارياً لكل من بلغ السادسة والذي يتم تسجيله بالصف الأول وبالتدرج حيث يدخل من بلغ عمره 17 سنة الصف الثاني عشر والذي هو الثالث ثانوي عندنا
المهم في الثلاثة الأيام الأولى كنتُ محوس في تأثيث الشقة التي استأجرتها قبل وصولي والتي دفعت إيجار شهر مقدم والتي وجدت اسمي عليها وبمجرد دخولي أنا وأبنائي عبر المطار تم تسجيل عنوان شقتي والذي أوتوماتيكياً قام بإخطار المدارس القريبة مني بالحي الذي أسكنه وزود المدارس وكل الخدمات بمعلوماتي أنا وأبنائي طبعاً لم أكن أتوقع أن أحداً سيهتم بوجودي أناوأبنائي ولم أكن أفكر في إدخالهم بالمدارس السويدية إلا بعد انتهاء الفصل الثاني حيثً عرفت فيما بعد أنه لا يوجد شيء اسمه الفصل الثاني أو بداية العام للتسجيل بل المدرسة التي تكون قريبة منك تقوم باستدعائك لتسجيل أبنائك حسب العمر الذي هو مسجل لديهم بموجب شهادة الميلاد والذي هو موجود لديهم وبإمكان أي شخص يبلغ عمر السادسة مثلاُ في منتصف الفصل الثاني على نظامنا بالسعودية أن يتم تسجيله فوراً في السويد بغض النظر عن بداية السنة أو منتصفها أو ربعها أو ثلثها .
المهم أن عشرات الرسائل كان يُزج بها يومياً في بريد الشقة على عنواني بأسماء أبنائي والمشكلة أنني لم أكن أجيد اللغة السويدية فأهملتها ولم ألتفت لها نهائياً رغم أن زوجتي كانت تطلب مني أن أعرف ما سر هذه الرسائل والتي معظمها باسمها واسم الأبناء
كنت مشغولاً فأخذت على عاتقها البحث عن طريقة لترجمة تلك الرسائل بعد أن تعرفت على سيدة سورية تعمل مدرِّسة بمعهد اللغة السويدية والتي قامت بترجمة تلك الرسائل والتي كلها تدعونا عاجلاً إلى تسجيل أبنائي مع رسالة أخيرة عبارة عن إنذار يعرضني للمساءلة القانونية في حال حرمت أبنائي من التسجيل.
طبعاً ذهلت لذلك ولم أصدق ما قالت تلك المترجمة التي طلبت مني أن أتصل بالمدرسة لتحديد موعد المقابلة لتسجيل الأبناء وبأسرع وقت ونصحتني بعدم معارضة تسجيلهم نهائياً لأن نظام التعليم إجباري وليس من حق أي أب أو أم رفض تعليم أبنائه حتى لو كان أجنبيًا ويقيم إقامة مؤقتة بل ليس هذا فقط بل حتى لو كنت لا تقيم بطريقة نظامية أي أنك لاجئ ولا زلت تبحث عن موافقة للإقامة فمن حق أبنائك الحصول على فرصة التعليم بغض النظر عن عدم اكتمال مطالبتك بالإقامة وحتى تحصل على الموافقة فعليك تسجيل أبنائك
جلست أفكر كيف أن بعض الأبناء لدينا بالسعودية يبقي أبناءه في المنزل دون أن يعلم عنهم أحد ويبقون يرضخون للأمية إلى نهاية عمرهم ، تذكرت كيف بإمكان ابن عاصٍ لأبيه أن يرفض الدراسة ولا يستطيع أبوه إجباره على محو أميتة
في السويد إذا وجد أي ابن أو بنت ترفض الدراسة فهنا تتولى الدولة إجباره بقوة النظام إلى الانتظام بالدراسة وهناك سيارة بوليس الحي تقوم بالذهاب به للمدرسة وإعادته يومياً حتى يقتنع بأهمية التعليم وكذلك في حال رفض الأب إلحاق أبنائه فإن السيارة تقوم بإجبار الأب قانونياً بإلحاقهم بالدراسة وتتولى متابعتهم حتى يقتنع الأب بدراسة أبنائه.
طبعاً كنتُ مذهولاً من هذا النظام فأخذت أتحدث إلى المترجمة أسألها أين الحرية هنا إذا كان هذا نظامهم؟؟
فقالت لي يا أخي كل شيء فيه حرية إلا أن يكون هناك من يحاول إعادة البلد إلى الجهل ، لقد احتفلوا منذُ زمن بعيد بمحو الأمية فكيف تريدهم أن يتساهلوا في هذا الجانب . إن وجود أي شخص جاهل في مجتمعهم يعتبر خطرًا يسهل على الآخرين اللعب بفكره، هذه كل الحكاية الجهل في أوروبا يعتبر أخطر من أي وباء وعليك أن تحترم هذه النظرة وتتقيد بأنظمة البلد
فقلت لها يا سيدتي أنا لن أعارض أبداً أنا كنتُ أستوضح فعقلي غير قادر على استيعاب بعض الإجراءات
أيها السادة هذه كانت البداية التي تعرفت فيها على أن نظام الدولة عندما يسخر كل إمكاناته من أجل محاربة الجهل والحرص على التقدم في هذا المجال ورفض التراجع أو التساهل فيه عندها لن تحتاج إلى العودة لفتح دروس محو الأمية وعندها لن تتحجج أية مدرسة في عدم وجود مقاعد دراسية لأبنائها وسيكون التخطيط سليمًا في استيعاب الجميع مهما كانت الأسباب من أجل هدف عظيم وهو محاربة الجهل.
بعد هذه البداية التي أحببت أن أوضح للبعض فيها لماذا كتبت هذا الموضوع الذي ستكون حلقاته القادمة صدمة للبعض وحكاية مسلية للبعض الآخر ثم سيعتبرها البعض إضاءة مهمة على جانب مهم في حياتنا اليومية وهو التعليم الذي هو أساس تقدم الشعوب.
ماذا دار بيني وبين مدير المدرسة التي بعثت تلك الرسائل ؟ كيف كان تعاملهم معي ؟ كيف قمت بتسجيل أربعة من أبنائي بينما قام محامٍ بإقناع المدرسة بعدم تسجيل ابنتي الكبيرة مؤقتاً حتى أجد لها مدرسة إسلامية تدرس المنهج السويدي نظراً لرفض ابنتي شخصياً للالتحاق بالمدارس السويدية التي تدرس الجنسين؟ كيف سارت الأمور ؟ تلك حكاية أخرى آتيكم بها في الحلقة القادمة وإذا كان في العمر بقية فللحديث بقية.
ملحوظة: أنا لم أنسَ نفسي أبداً وأنا أكتب هذا الموضوع والذي اعتبر فيه البعض أنني فعلت ذلك عندما قمت بطرح نماذج مناهجنا القديمة بل أنا بذلك ذكرت برهانًا لما كانت عليه مناهجنا والتي بالتأكيد لم تسهم كثيراً في صقل العديد من المواهب التي ماتت في مهدها ولم يعلم عنها أحد.
الهر كبر وأصبح نمراً متوحشاً اسمه الجهل في عقول البعض الذي تركوا الدراسة لأنهم عجزوا أن يصدقوا تلك المناهج ويفهموا فحواها.
يتبع