أسئلة وجّهت إليّ في ملتقى رابطة الواحة الثقافية، وإجاباتي عليها، أحببت مشاركتكم إياها، للفائدة وتبادل الأفكار..
سؤال:
خلال اطلاعي على مقالات في الفكر الاسلامي: هل ترى أن الجمود صفة من الممكن أن تتصف به بعض التيارات الإسلامية؟ خاصة في ظل غلواء بعض التيارات التي تنعت بالسلفية.. نجدهم يعظمون الفرعيات وينشغلون بها.. بينما نراهم يسكتون عن دماء المسلمين التي تهرق في كل البقاع!
بل نجد بعض يصل للقول بأنهم يدعمون سفاحاً سفاكاً منقلباً مدلسين على الناس بقولهم: نحن نتقرب إلى الله بدعمه وانتخابه!! وهذا آخر ما صرح به برهامي نائب مجلس شورى السلفية في مصر..
الجواب:
في الواقع لا وجود لتيار جامد بمعنى الجمود المطلق، فكل شيء في حركة وتغيّر، لكن يمكن أن نقول بنسبية الجمود، حيث نلاحظ تيار مصاب بالجمود بنسبة أكبر من تيار آخر.. وهكذا..
أما هؤلاء المنغمسين في الفرعيات على حساب القضايا الكبرى، فإنهم يعيشون في عالم آخر، يتصور أحدهم نفسه يعيش في القرن الثاني أو الرابع الهجري، فيستحضر معارك جدلية تاريخية، وينسى أنه اليوم في حرب مفتوحة ضروس مع حركات فكرية تريد أن تقتلع جذور الإيمان من قلب المؤمن!
لا أنسى ذلك اليوم الذي خرجت فيه من المسجد لأجد في صحنه شباباً مجتمعين على غير العادة، ثم علمت أنهم كانوا يريدون أن يضربوا شخصاً من الجماعة (المعادية!)، بينما كانت المدرعات الأمريكية تستبيح الشوارع والبيوت والأعراض!
وهؤلاء تراهم يهتمون للتراث أكثر من النص، فيدافعون مثلاً عن إمامة المتغلب التي كانت استجابة لحالة وضرورة معينة، أكثر من دفاعهم عن الشورى التي هي مبدأ قرآني ونبوي أصيل..
فلا تستغرب إذن من شخص يتقرب إلى الله تعالى بتسليم رقاب المسلمين ومصائرهم بيد انقلابي سفّاح، أو من يرى أن بشار الأشد وليّ أمر واجب الطاعة!
وكذلك لا يراعون اختلاف الأزمنة والأمكنة والأحوال في فقههم، ويتصورون أن الفقه هو المدوّن في كتب الفقه!
ولهؤلاء قال الإمام ابن القيم في كتابه القيم (إعلام الموقعين عن رب العالمين) كلمته البليغة: (ومن أفتى الناس بمجرد المنقول في الكتب على اختلاف عرفهم وعوائدهم وأزمنتهم وأحوالهم وقرائن أحوالهم فقد ضلّ وأضل وكانت جنايته على الدين أعظم من جناية من طبب الناس كلهم على اختلاف بلادهم وعوائدهم وأزمنتهم وطبائعهم بما في كتاب من كتب الطب على أبدانهم بل هذا الطبيب الجاهل وهذا المفتي الجاهل اضر ما على أديان الناس وأبدانهم والله المستعان).
لقد أصيبت عقولهم بالتيبس، وفكرهم بالجمود، ولهذا تأتي آراءهم غريبة بعيدة عن واقع الناس الذين يريدون أن يتحرروا من قيود الطغاة..
فأين هؤلاء من السلف الصالح، من فقههم وعلمهم.. وأخلاقهم؟!
واليوم أصبح الكثيرون يدّعون وصلاً بالسلفية، فتعددت مذاهبهم، تقليدية وحركية وجهادية ومدخلية وجامية...
مع أن مفهوم السلفية ـ حسب رأيي ـ يحتاج إلى مراجعة علمية، فليس الأمر كما يتوهّم من يدعيها!