فن الصدقة
أن الصدقة تجسيد لحقيقة الإيمان باليوم الآخر, وذلك بالخوف من عقابه , ورجاء ثوابه , وهي كذلك تحقيق للشعور بهيمنة الله وفاعليته ونفي حول وقوة سواه...فهي دليل على الاستقامة ؛ لقوله عليه الصلاة والسلام ( والصدقة برهان)
وقد جاءت مشروعية الصدقة موافقة للفطرة , فالإيمان بالخَلَفْ والعوض منزلة تبلغ بصاحبها أعلى المراتب ؛ لأن النفس مفطورة على حب الربح العاجل والحرص عليه , فإن تحول الإنفاق ربحا في شعور المسلم , فقد رسخ يقينه وكمل إيمانه ؛ تناغما مع فطرته التي تحب المزيد ؛ فيصبح الإنفاق محبوبا يُفرحُ صاحبه ويسره...وفي الحديث "من سَرَّته حسنته وساءته سيئته فهو مؤمن."
فالمتصدق يحق له الفرح , فكل من أيقن بأن ماله يزيد حين ينفق ويقل حين يمسك لا شك أنه سيحرص على الصدقة ويبذلها مكثرا بحب .
ولذلك جاءت الآيات والأحاديث تعالج دخائل النفس البشرية بحيث تتصدق راغبة راضية وتعطي مما تحب لتتبوأ مقاما محمودا مع الكرام البررة ... قال الله تعالى "يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم، ومما أخرجنا لكم من الأرض، ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون.." البقرة ٢٦٧.
لذلك فالصدقة نماء حقيقي ليس في المال فحسب بل والاحساس ببركة العمل والعمر . فيا لفرحة المتصدق بهذا النماء.
يقول سيد قطب في كتابه أفراح الروح: "إننا نعيش لأنفسنا حياة مضاعفة ، حينما نعيش للآخرين ، وبقدر ما نضاعف إحساسنا بالآخرين ، نضاعف إحساسنا بحياتنا ، ونضاعف هذه الحياة ذاتها في النهاية !."
ويقول أيضا" بالتجربة عرفت أنه لا شيء في هذه الحياة يعدل ذلك الفرح الروحي الشفيف الذي نجده عندما نستطيع أن ندخل العزاء أو الرضا ، الثقة أو الأمل أو الفرح إلى نفوس الآخرين !.
إنها لذة سماوية عجيبة ليست في شيء من هذه الأرض ، إنها تجاوب العنصر السماوي الخالص في طبيعتنا , إنها لا تطلب لها جزاء خارجيا ؛ لأن جزاءها كاملا فيها !.
أحيانا تصعب التفرقة بين الأخذ والعطاء لأنهما يعطيان مدلولا واحدا في عالم الروح ! في كل مره أعطيت لقد أخذت لست أعني أن أحدا قد أعطى لي شيئا إنما أعني أنني أخذت نفس الذي أعطيت لأن فرحتي بما أعطيت لم تكن أقل من فرحة الذي أخذوا " انتهى كلامه رحمه الله.
أدمن الكف للمروءة بذلا نشــوة البـــذل للكــريم مُــدامُ
كان بحر الندى ونهر السجايا روضها الخصب ثغرها البسامُ
لم يزل يسبق الليالي علما عجـــزت عــــن لحاقه الأيامُ
إذن علينا أن نتصدق: لنسعد ونفرح بفضل الله, فمن أجلها شرع الفرح لقوله تعالى ( قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خيرٌ مما يجمعون ) لقد أفصحت آخر الآية عن أولها , أي ليفرح المتصدقون فهم خير ممن يجمعون.