هي العنوان
تهبط إليها فتهبط إليك
تقصدها فتفاجأ بأنها تقصدك
تسبقك اللهفة إليها فتلمس أنفاسها اللاهثة و هي تشقّ آهات الحشود نحوك و تكتشف أنّ مسافة الشوق تضاعف مسافة الطريق .
يُقال لك : إنها هناك .
فتزفر آنئذٍ زفرة الحنين : آهٍ ما أبعد الهناك !
تظنّ أنك المتيّم الوحيد بها وسرعان ما توقن بأن الآلاف تسعى سعيك و تخطب ودّها مثلك .
و تعجب : كيف لقلبها أن يستوعب هذا الحبّ كلّه و يحضن مختلف الأعراق .
و تتسارع دقّات القلوب أضعاف تسارع الخطو ، فيتعثّر من يتعثّر و يقوم مبتسما و قد أغناه الرضى و الحبّ عن كل عنَت.
فلا تدري أهو يشكر أم يذكر ؟
تقف و قد فُتحت إليها الأبواب ؛ تحار من أين تأتيها ؟
فيأخذك الحنين من يدك مبادرا بالتلبية ؛ و إذا ألسنة الأرض حولك تردّد :
( لبيك اللهم لبيك ) .
إيقاع رتيب و شعور غريب يقتلعك من الدنيا و يرقى بك فإذا أنت في حضرة الرحمن ، تقف في خشوع و ترسل لحاظك إلى البعيد فترى حِزم الضوء تسدّ آفاق الحرم الشريف ... و تراها !!!
تتسمّر العين و تطول النظرة الأولى ؛ لا يرفّ لك جفن و لا تختلج منك خليّة .
فإذا أنت و العاشقين خُشُبٌ مسنّدة ، تستلبها الرهبة و تستنزفها الرغبة .
فلا تتحرّك إلا لآلئ حارة على الوجنات تختزن صورة الكعبة الشريفة .
تندفع الحشود بقوة جذب لاإرادية صوب يمين الرحمن في الأرض تنشُد المصافحة و اللثم ؛ و تدهش إذ ترى اليد الحانية تكفيها مؤونة التدافع ؛ تهدهد الأكتاف و تمسح على الهامات بفيض من سنا غامر فتنطلق الحناجر بصوت واحد و دون تلقين : لبيك اللهم لبيك .
و تمضي تخال نفسك تطوف حول البيت العتيق ؛ فإذا به هو الذي يطوف بك حول الكون ثم يرقى و يرقى و يرقى نافضا عنك أدران ما تقدّم من ذنبك ؛ يغسلك بالعبير و الضياء و المغفرة فإذا أنت نقيّ كحبّات البرَد ، طاهر طهر ثياب الإحرام ؛ ترجع صفحة بيضاء كيوم ولدتك أمّك ؛ فلا ترى في من حولك شقيا و لا محروما و لا تسمع إلا الحمدلة و التهليل و التكبير في عرس الإيمان .
فتتنهّد تنهيدة الفرح قائلا :
الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله .