قبل أن تدعوا فلا أجيب
عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: " دخل عليَّ النبي فعرفت في وجهه أن قد حضره شيء فتوضأ وما كلم أحداً، فلصقتُ بالحجرة أستمع ما يقول، فقعد على المنبر، فحمد الله وأثنى عليه وقال: " يا أيها الناس. إن الله يقول لكم: مروا بالمعروف وانهوا عن المنكر قبل أن تدعوا فلا أجيب لكم، وتسألوني فلا أعطيكم، وتستنصروني فلا أنصركم ". فما زاد عليهن حتى نزل. رواه ابن ماجة وابن حبان في صحيحه .
* * *
يا الله! أو حقاً يدعو الناس فلا يستجيب الله لهم؟ الله الذي يقول: ( وسعتْ رحمتي كل شيء) ؟ الله الذي يقول: ( وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان ) ؟
هل يمكن أن يحدث ذلك؟ صدق الله. وصدق رسوله. وما يمكن أن يكون ذلك إلا حقاً! وإنه لحق ترتجف له النفس فرقاً ويقشعر الوجدان رعباً.
وماذا يبقى للناس إذن؟ ماذا يبقى لهم إذا أوصدت من دونهم رحمة الله؟ ولمن يلجؤون في هذا الكون العريض كله وقد أوصد الباب الأكبر الذي توصد بعده جميع الأبواب.. ويبقى الإنسان في العراء، العراء الكامل الذي لا يستره شيء، ولا يحميه شيء من لفحة الهاجرة وقسوة الزمهرير؟
ألا إنه الهول البشع الذي يتحامى الخيال ذاته أن يتخيله.. لأنه أفظع من أن يطيقه الخيال.
الخيط الذي يمسكه بالقدرة القاهرة القادرة قد انقطع.. فراح يهوي. يهوي إلى حيث لا يعلم أحد ولا يلاحقه خيال. يهوي في الظلمات. يتقلب على الدوام. يصطدم في كل شيء. يتحطم.. تتمزق أوصاله.. يتناثر في كل اتجاه.. وكل " جزء " من نفسه يذوق من الآلام ما لا يطيق: (فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ)
ذلك هو المخلوق البائس الذي يدعو الله فلا يجيبه، ويسأله فلا يعطيه، ويستنصره فلا ينصره.
فهل كتب الله ذلك الهول البشع على عباده - المسلمين - الذين يدعونه ويسألونه ويستنصرونه؟! نعم.. حين يكفون عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.. ولو بأضعف الإيمان.
( قبساتٌ من الرسول ) لمحمد قطب