( 1 )
الموجة العالية
الموقف الذي كان يجب أن يزلزل مصطفى حنفي.. ولكنَّه لم يزلزله، فاطمأن على ثباته ورسوخ قدمه، فهو لن يتزحزح أبدًا.. وصلت إليه أخبار عن خطأ جسيم قام به أحد شباب الصحفيين صغار السن حديثي الخبرة بالجريدة، فاتخذ قرارًا فوريًا بفصل هذا الصحفي الشاب عن العمل..
لم يكن متعجلا ولا منفعلا، ولكن الخطأ الجسيم كان يستحق هذا العقاب الصارم.. دخل عليه الشاب غرفة مكتبه ووقف بجوار الباب، وقال له وهو محتقن العينين منفوش الشعر أصفر الوجه:
سأقول لك شيئًا واحدًا يا ريس.. بعد حسبي الله ونعم الوكيل.. لو سيادتك كتبت يا ريس كلمات من دم.. أو كانت مقالاتك رصاص يقتل الظلم والطغيان في مصر.. فلن تفهم أبدًا معنى إن شاب راتبه الشهري ستمائة جنيه يُفصل من عمله.. لأن دخل حضرتك الشهري نحو مائة ألف جنيه.. أكثر من نصفها تقبضه من هذه الجريدة من عملنا نحن ومجهودنا وعرقنا.. لا يمكن بالطبع أن تشعر بنا، أو تحس بالناس الذين تكتب عنهم.. أين نحن يا ريس، وأين أنتم؟ نحن في بلدنا أقل من كلاب حراستكم، وأنتم (V I B)..
ثم استدار الصحفي الشاب، واستطرد:
عارف.. عارف يا ريس، أنا خارج لوحدي دون أن تستدعي لي أمن الجريدة.. شكرًا يا ريس.. لنا رب اسمه الكريم..
ظل مصطفى ينظر أمامه إلى الباب الذي خرج منه الشاب مشدوهًا لدقيقة.. ثم ضرب كفًا بكف.. وضحك وهو يقول:
والله عال.. ولد مثل هذا مخطئ.. مخطئ؟! إنه عامل كارثة.. وغضبان لأني فصلته من الجريدة.. ماذا يريد؟.. نُقبِّل ..........
ثم صاح بعنف على الفراش:
تعالَ اغلق الباب يا غبي..
حاضر يا ريس..
أغلق الفراش الباب من الخارج.. وعاد مصطفى ينكب على مكتبه ليكمل ما كان يكتبه من افتتاحية ساخنة مهاجمة لنظام الحكم الذي أذل شعب مصر وجعل أغلبه يعيش تحت خط الفقر، وأخذ يعدد في مقالته الافتتاحية مظاهر الفقر في العشوائيات والقرى والعزب والنجوع!!
انتهى مصطفى من دباجة مقالته الافتتاحية، وأمر بإرسالها إلى المطبعة.. ثم نظر إلى الصحف اليومية الموضوعة أمامه على المكتب.. تتصدَّر مشكلة كمال عبده الأخيرة أغلب عناوين الصحف خاصة الصحف الخاصة التي أصرَّت على وصفها بالفضيحة المدوية أو السقطة الإعلامية للإعلامي الرياضي والنائب البرلماني كمال عبده!!
أخذت عينا مصطفى تلتهم التفاصيل التهامًا.. ثم اتجه إلى جهاز الكمبيوتر ودخل إلى الإنترنت وأخذ يبحث عن هذا الـ (C D) المنسوب إلى كمال عبده، وبالفعل توصل إلى المكالمة الصوتية المنتشرة بكثرة على المواقع المختلفة على الإنترنت.. الصوت بالتأكيد هو صوت كمال، فهو لن يتوه عن صوت صديقه منذ الطفولة.. وأسلوب الكلام.. حتى الألفاظ التي قيل إنها بذيئة وغير لائقة، هي الألفاظ التي يستخدمها في بعض الأحيان.. عندما يكون الحديث بعيدًا عن الكاميرات والرسميات!!
اتصل مصطفى بكمال وهو في حالة من القلق عليه وعلى مصيره كسياسي وإعلامي ورجل عمل عام..
ألو كيمو.. ما هذا الذي فعلته مع الصحفية؟
أهلا درش.. كيف حالك؟.. عادي هي قصة وستمُر
لكن يا كيمو الصحف مليئة بالتفاصيل، وتسجيل المكالمة الهاتفية منتشر على كل مواقع النت..
أصلها بنت … …. لكن أنا سأعرف أوقفها عند حدها وأُنهي الموضوع ..
وما هو الموضوع بالضبط يا عم كمال؟
أبدًا والله يا درش.. أنت عارف هذه الألفاظ والكلمات تملأ حياتنا.. وكلنا نقولها.. هذا الكلام يملأ الشارع.. بذمِّتك يا مصطفى ألا تسمع هذه العبارات في القهوة وفي المواصلات وفي الشارع وفي الجريدة؟!
صحيح يا كمال.. لكن في وسائل الإعلام الأمر مختلف..
فعلا لأن هذا نفاق.. نفاق اجتماعي، عندما نكون كلنا نُردِّد كلام ونعتبره عاديًا جدًا واجتماعيًا جدًا، وأولادنا يرددوه.. وبناتنا أيضًا تردده.. ثم نقول لا عيب.. لا يصحش هذا كلام بذيء.. طالما هو بذيء لماذا نردده كلنا؟
أنت تعرف يا كمال..
لا.. لا أعرف شيء.. عندما يستخدم حموكشة هذه الألفاظ في الشارع أو في المدرسة يصبح مقبولا.. وعندما ينطق به كمال عبده في الهاتف يصبح (كُخة).. وتقول لي أننا لا نعيش نفاق في نفاق؟!.. وبعد فهذا الكلام قيل بعيدًا عن الإعلام.. لم أنطق به على الشاشة يعني.. قيل في مكالمة هاتفية خاصة.. صحيح البنت بنت …. عملت نفسها مهذَّبة وخضرة الشريفة.. لكن بديني ل.... وسأفعل بها الكلام الذي سمعته بأذنها.. سأجعله معها عمليًا .. ودع الأدب والشرف ينفعها.. دعها تصبح هي حديث مصر كلها.. بديني لأجعلها حديث العالم كله بنت ….. هذه.. سأفرمها يا درش.. سأفرمها..
وهل تقول لي على قدرتك على الفرم يا كيمو؟ إني أعرفك جيدًا..
هل تعرف ماذا يفعل القطار السيع فيمن يقف أمامه؟.. يا درش أنا القطار السريع.. أسرع قطار في مصر.. النجوم.. رجال المال والأعمال.. النخبة يا سيدي كلها هكذا.. كلنا هكذا يا درش.. أنا وأنت ومن يعمل معنا.. من يقف في طريقنا ندهسه.. نفرمه.. النجم لا يحب أحدًا يذكِّره بماضيه قبل أن يصبح نجمًا، ولا يحب أحدًا يعايره بأنَّ كان أفضل منه يومًا، لم يكن أحد أفضل منا.. كل واحد من هؤلاء يجب أن يمر فوق جسده القطار السريع ويفرمه.. هل تذكر الولد عماد ساتي الذي كان معنا في مدرسة الشهيد أنور الصيحي؟..
نعم أذكره.. كان يكبُرنا بعام.
هذا الولد كان يرى نفسه فتوة المدرسة، وكثيرًا ما ضربني على قفاي ابن ...... تذكرته منذ سنة تقريبًا.. فرمته.. هو كان نسي الموضوع، لكن حظ أم الأسود أنني تذكَّرت آثار ضربي على قفاي.. الآن هو يأخذ كل يوم طريحة في السجن.. مصير البنت الصحفية سيكون أسود من ذلك.. لن ترى الشمس ثانيةً..
اهدء قليلا يا كيمو.. هذه المسائل تحتاج إلى حلها بالعقل لا بالعصبية ولا العناد.. المشكلة ليست في الصحفية.. فهي بنت صغيرة سيُنسى موضوعها بسرعة.. المشكلة فيمن يستغل هذه الصحفية، المشكلة في المستشار الذي وضعها في طريقك.. نابه أزرق..
وهل تصفه بالمستشار أنت أيضا؟! إنه ابن........ ........ بديني سأوريه كذلك.. فقط انتظر حتى أفيق مما أنا فيه..
طيب دعنا نتوسط بينكما لعلنا نصل لحل..
الموضوع كما تعرف يا درش دخل فيه شخصيات كبيرة جدًا.. لكنه يرى نفسه نفسه فوق الجميع.. أقسم أنه يُشرِّدني.. يشرِّد من ابن ......؟
وما موضع جيمي صاحبك في هذا الأمر؟
جيمي يا سيدي منقلب علي من يوم المباراة إياها..
إذن دعني أُكلِّم جيمي لتلطيف الجو والوصول لحل..
كيف تحدثه يا درش والعلاقة بينكما متوترة أساسًا وليس لك سِكَّة معه؟
صحيح يا كمال.. لكن عندنا اولاد في الجريدة وفي القناة كذلك لهم اتصال به.. لهم سهرات وأشياء.. وممكن عن طريقهم ندخل ونحاول لملمة الموضوع.. فقط أنت لا تقلق..
والله هذه المرة لا أخفي عليك أنا قلقان يا مصطفى.. انت تعرف لم يكن شيء في الدنيا كلها يمكن أن يقلقني أو يحيفني، أو يهز شعرة واحدة من شعر رأسي.. لكن هذه المرة أنا مهزوز.. ليس من أجل تسريب المكالمة ولا البنت الصحفية ولا هذا الكلام الفارغ.. لكني أشعر أنني أُخذتُ على خيانة.. هذه خيانة يا مصطفى، وانا أكره الخيانة يا مصطفى كُره العمى..
ملمومة يا كيمو.. أنت فعلت كثيرًا من أجلي.. اترك هذا الموضوع لي هذه المرة، وستسمع خيرًا قريبًا.. ولا تنس أن جيمي سيصدق أن يأخذ نقطة علي حتى يضعني في جيبه.. يتمني يا سيدي أن أخفض صوتي عنه وعن أبيه قليلا.. وهذه فرصة وأتت إليه..
نعم يا مصطفى.. لكنني لا أريد أن أكون سببًا في خسارة شيء من مكانتك التي أنت عليها..
يا سيدي لا خسارة ولا شيء.. دعنا نبدِّل الأدوار قليلا.. يوم نكون في المعارضة، ويوم نكون مع جيمي ورجاله.. إنها كلها مصالح يا أبا كمال..
تمام يا درش.. لكن احذر على نفسك.. هذه الأمور تحتاج إلى حرص، وبهدوء حتى تنتهي بلا خسائر..
هذا الموضوع عندي يا كيمو ولن ينهيه احد غيري.. أنت فقط اطمئن ونم قرير العين، كلها يومان وتسمع أخبارًا طيبة.. وتركز أنت وتستعد للانتخبات.. لقد اقتربت الانتخابات يا كبير..
ذكرتني بالانتخابات.. هذا الموضوع أيضًا يشغلني.. جمي وعز يريدا فتح مجمَّع انتخابي وينزل أعضاء الحزب بعضهم ضد بعض.. يريدون ان ينزل ضدي مرشح منافس من الحزب بعد كل الذي فعلته من أجلهم.. ألا ترى فُجر هؤلاء الناس؟!!
ما هذا.. دوائر مفتوحة للحزب؟! هذه جيدية.. لا هذه فعلا جديدة يا كيمو.. هذه بمفردها تحتاج جلسة.. حدِّد متى نسهر ..
إذن أنهِ أنت الموضوع أولا.. ثم لك عندي دعوة في الساحل الشمالي لا مثيل لها..
اتفقنا يا (مان).. سلام
سلام يا درش..
بالفعل يستطيع مصطفى التدخل بين الأطراف المختلفة لهذه اﻷزمة التي يرى أنها أخذت ابعادًا أكبر من حجمها، ليس فقط لتصفية حسابات صغيرة مع كمال عبده.. وإنما يرى أنها تمهيدًا لتقليص دور صديقه المتنامي في السياسة والإعلام.. يريدون (قص ريشة) على رأي المثل.. ولكن هو نفسه مصطفى حنفي أكثر الناس استفادة من سيطرة كمال عبده على موقعه.. وسيكون بالطبع أكثر الناس تضرُرًا من زعزعة مكانة كمال عبده السياسية والإعلامية.. ليس من المهم أن يكون في خندق مختلف عن خندق كمال أمام الناس والرأي العام.. فهذا توزيع شكلي للأدوار.. المسرحية يجب أن يتم توزيع اﻷدوار فيها بهذا الشكل المتقن.. العرض يجب أن يحتوي على رجل طيب ورجل أخر شرير.. الطيب والشرير كلاهما يقوم بأدائهما على المسرح صديقان.. صديقان ربما يكونا طيبان أو شريران.. ومع ذلك يجب أن يطعن أحدهما الأخر على المسرح.. والجمهور (العبيط) يصفِّق لأحدهما ويبكي عليه.. ويهتف ضد الأخر.. وينفعل مع العرض.. وينسى أنَّه في النهاية يشاهد عرض كبير.. يتسلَّى .. وأن البطلين على المسرح هما في الأصل صديقين، ربما يتبادلان الأدوار التي يؤديانها فعليًا على مسرح الحياة!!
والتضحية بمكانة كمال عبده تساوي في الحقيقة زعزعة الأرض تحت أقدام مصطفى حنفي.. وهذا ما لم يسمح له أن يحدث أبدًا مهما كان الثمن!!
مصطفى ككمال يؤمن مثله بمبدأ الضربات الاستباقية.. ليس بالضرورة له أن يركع تحت أقدام جيمي.. وسيادة المستشار إياه.. لكي يطلب العفو والسماح لصديق عمره كمال عبده.. ليست هذه طرق المحترفين.. هذه طرق الهواه والمبتدئين.. أما طريقة مصطفى حنفي فهي تشديد الهجوم على الخصم.. زيادة جرعة المعارضة والنقد.. تجاوز كل الخطوط الحمراء في ملاحقة الفساد.. والكشف عن فضيحة جديدة لجيمي ورجاله..
هكذا يصبح الوضع العام، فضيحة مقابل فضيحة.. وقضية رأي عام أمام قضية رأي عام.. ويتم اللعب بطريقة (سيب وأنا سيب).. الذين يركعون أمام الكبار، تُقطع رقابهم في اللحظة التي يركعون فيها بسيوف هؤلاء الكبار.. أمَّا الذين يرفعون رؤوسهم فوق رؤوسهم، ويشمخون بأنوفهم في مواجهة أنوفهم، هم فقط الذين يجدون لأقدامهم موضع يقفون فيه في هذه الحياة.. يجب أن يضع جيمي أو أحدًا من رجاله المقربين أو المستشار.. أو الرجل الكبير نفسه تحت ضرسه.. وهذا وارد جدًا، فتحْت يديه عشرات الملفات التي لم ينشرها بعد.. يتركها لوقت الحاجة.. الآن كمال عبده في وقت حاجة.. وحاجة كمال عبده هي نفسها حاجة مصطفى حنفي..
هكذا وبطريقة اللعب الاحترافي مع الكبار استطاع مصطفى أن يسحب البساط من تحت فضيحة صديقه كمال عبده.. ونام الموضوع.. غطَّ في سُباتٍ عميق، كما تغط غيره من الفضائح والموضوعات.. وكما يقولون في عالم السياسة والمال والإعلام في مصر (كله بيطلع في الغسيل)!!
وأصبح يتوجَّب على كمال عبده الآن التفرغ لمعركته الانتخابية التي أصبح يصارع فيها هذه الدورة ضد مرشح الإخوان الذي عاد للثأر هذه المرة من التزوير والبلطجة التي يدَّعي حدوثها في الدورة السابقة، وضد المرشح الآخر الذي زجَّ به المجمَّع الانتخابي للحزب وفق (افتكاسة) الدوائر المفتوحة.. ووضح ميل الناس الكبار للمرشح المنافس.. لكنَّه لن يُسلِّم، بل سيقلب الطاولة على الجميع إذا لزم اﻷمر..
وعاد مصطفى حنفي ينسق معه العمل في مدينة دسوق والقرى التابعة لها والتي تربطه هو أو عائلته علاقات بأهلها من أجل الحشد لدعم كمال في هذه المعركة الشرسة.. في الوقت الذي يُعِد فيه أعنف مجموعة مقالات تفضح كوارث الحزب الوطني، وتُعرِّي عمليات البلطجة والتزوير والرشاوى الانتخابية.. فهذا هو عمل مصطفى حنفي الدائم الذي يضحي فيه بأيام من حياته يقضيها في السجن أو المعتقل أو الحجز ، او يقضيها في ضيافة مقر مباحث أمن الدولة.. أو المخابرات العامة.. وهو نفس العمل الذي يحفظ عليه بقاءه في مصاف المناضلين السياسيين الكبار في ذاكرة الجماهير، وربما التاريخ.. ويؤمِّن له في نفس الوقت دخلا من عدة عشرات من ألوف الجنيهات تستقر في حسابه كل شهر من عمله الصحفي والإعلامي، وكُتبه التي تباع بصرف النظر عن فحواها بضمان صورته بالقميص المخطط بالطول، والشارب الكث، والنظارة السميكة.. وكما يقول كمال عبده ومصطفى حنفي: (كله بزينس)!!
انتهت مهزلة الانتخابات البرلمانية واتصل مصطفى عبده بكمال منهارًا.. كان مصطفى منهارًا، وكمال ثائرًا هائجًا منفعلا.. لكنَّ انهيار مصطفى حنفي كان مريعًا قال لصديقه:
ماذا فعل هؤلاء المجانين يا كمال؟
أرأيت يا سيدي؟ جنان رسمي، فماذا نقول؟
لقد ذهبوا بالبلد إلى ستين داهية يا كمال..
ماذا سنفعل يا درش لحفنة عيال؟ ليسو عيال إنما هبل وأولاد ..... يتحكمون في بلد بحجم مصر!!
وهل هناك في الدنيا حزب حاكم ينجح في انتخابات برلمانية بنسبة مائة في المائة؟! لم تحدث في التاريخ.. ومع حزب كله فساد ومصائب، وبلد ستنفجر من الخراب والدمار الذي يلحق بها!!
يا ليتهم زوروا ضد المعارضة والإخوان.. لكنهم زوروا ضد رجال الحزب.. لقد باعونا، باعوا لحمهم أولاد ...
إنهم يضيعون البلد يا كيمو.. البلد ستشتعل.. ثورة جياع.. ثورة مُشرَّدين.. ثورة اولاد شوارع آتية لا محالة.. أولاد المجانين لا يريدون إخوان.. تمام.. لا يتركوا واحد من الإخوان ينجح.. جيد دعونا نتخلص من اللحى والإسلام السياسي وهذا القرف.. مقبول ومعقول.. لكن يجب أن ينجح ثلاثون مرشحا من حزب الوفد وعشرون من التجمع، وخمسون مستقلون.. إنَّما بهذا الشكل.. أصبحنا مسخرة يا رجل..
لقد مللت من هؤلاء الناس.. لقد غطينا على بلاويهم التي لا تنتهي كثيرًا، وهم ينتقلون بنا من كارثة إلى أُخرى، ويرقصون ويحتفلون مصدِّقين أنفسهم ليس على بالهم شيء!!
وماذا تنوي ان تفعل يا كمال؟
وماذا سأفعل؟ بديني وإيماني لن أترك حقي.. لكن اصبر حتى نرى إلى أين.. سأوريهم شلة المساطيل هؤلاء..
لكن بالهدوء يا أبا كمال لا نريد أن سمعنا أحد ويخرج لنا فضيحة تسريبات جديدة يا كابتن..
كأنهم لا يعرفون رأيي بهم؟ يعرفون كل شيء، ويسجلون لي كل كلمة منذ مباراة الجزائر.. جيمي لا يطيقني في البلد منذ يوما.. ولذلك أكروا ضدي هذا الطبيب وشلة بلطجيته.. يا بني لقد شلوا حركة رجالي وعيال الإخوان في ضربة واحدة، لقد كان معي ذاب وأنت تعرف، تركونا حتى انتهينا من الإخوان ثم طوَّقونا معهم وفرمونا.. وأغلقوا الصناديق للطبيب الجديد الذين يدعمونه من فوق!!
لا تقلق يا كمال جهزنا لهم في الجريدة الجديدة ملفات فضائح ستشيب لها رؤوسهم.. ألم يشترون الجريدة التي بنيتها بدمي وعرقي، ويطردونني منها؟.. لكن المفروض يا كمال أن الرجل الكبير يوقف هذه المهزلة، ويعيد الانتخابات على الأقل في الدوائر التي انتشرت رائحتها بشدة..
رجل كبير إيه يا درش؟ ستهرِّج؟ ألا تعرف كل شيء؟ الرجل الكبير منتهي منذ زمن.. الموضوع كله في أيدي السيدة وابنها المحروس (ننوس عين أمه)
رد مصطفى وهو يضحك ضحكة مكتومة:
الحيلة بسلامته؟
أتضحك يا درش؟
ماذا سنفعل؟ شر البلية ما يُضحك.. أقول لك يا كمال.. حاول أن تنسى ولا تحرق دمك.. سافر لك يومان إلى الساحل الشمالي.. الفيلات في هذا الجو البارد ستصبح ساخنة.. سخنة نار..
من الواضح أنك رائق جدًا يا درش.. ساتركك الآن.. لكن تذكَّر قسمي هذا.. بديني لن أتركهم هذه المرة..
سلام يا كمال وخذ بالك من نفسك..
الأحداث تتلاحق بسرعة.. الغيوم تتجمَّع، لم يعد تجمعها الآن ببطء.. تجمعها أصبح سريعًا جدًا، وكما شعر مصطفى حنفي بأنَّ (النوة قادمة).. ولا بد من الحركة السريعة.. لا بد لحركتنا أن تكون أسرع من حركة الأحداث.. فنصحَ المحيطين به بذلك.. وأصبح أكثر حرصًا وأقل تراخيًا، وأحرص على قراءة كل ما تنشره الصحف ومواقع الإنترنت بدقَّة وعلى مهل لم يكن يمارسه من قبل.. وعندما أشعل محمد بوعزيزي النار في نفسه، وجاءت الأنباء من تونس تحمل الرواية وتداعيتها، هتف مصطفى:
- يا رب سترك.. يا رب لا يضبطون روايتي عنده.. أظن أنني أول من كتب إن الناس من غضبهم سيشعلون النار في أنفسهم في الميادين وأمام دواوين الحكومة.. وبو عزيزي فعلها وأشعل النار في نفسه.. استر يا رب.. القادم أسوأ..
وعندما طيَّرت الأنباء خبر هروب زين العابدين بن علي من تونس.. هُرع مصطفى مذعورًا إلى الهاتف واتصل بكمال يتدارس معه الأمر وينصحه ويحذِّره..
أرأيت ما حدث يا كيمو؟
أيوة يا طرش هرب الـ (.......) وتركها مشتعلة..
هكذا يا كمال الدور قادم علينا أكيد.. لا بد أن الرجل الكبير وجماعته يجمعون أمتعتهم ويجِّهزون أنفسهم.. وأنت يا كيمو لا بد ان تكون على أهبة الاستعداد.. البس طوق النجاة.. كلنا سنقفز من المركب قريبًا جدًا..
لا يا مصطفى.. لا تتشاءم..
اسمعني يا كيمو.. ثورة الياسمين تحركت وستصل عندنا أسرع مما تتخيل..
أريد أن أُطمئنك.. اطمئن تمامًا مصر ليست تونس.. لا شعب مصر مثل التوانسة، ولا النظام لدينا هش مثل نظام تونس.. لا يمكن أن يحدث شيء عندنا مثل هذا..
في الحقيقة أنا أرى غير هذا يا كمال.. يمكن قبل مهزلة الانتخابات كان يمكن أن قولك مصر غير.. لكن بعد المصيبة التي فعلها جيمي وعز.. أستطيع أن أقول لك مبروك يا كابتن الثورة في مصر ستنجح أقرب وأسهل كثيرًا مما تتصور..
بصراحة يا درش إنهم يستحقون.. لكن أيضًا أنا مطمئن إن مصر غير تونس، ولا يمكن تكرار ما حدث هناك..
أتراهن يا كيمو؟؟؟
ثانية يا درش؟! أراهنك على فيلا الساحل الشمالي أنَّ مصر غير تونس.. وأنه لن تأتينا ثورة ياسمين.. عندنا يا برنس فقط شاي بالياسمين.. طبعًا تعرفه؟!
حياتنا على الشاي بالياسمين.. لكن عندي سؤال.. لو حدثت الثورة وخرج الشعب، ماذا نفعل؟
وهل هذه تحتاج إلى سؤال يا برنس؟! سنركب الموجة.. ونقفز عليها طبعًا.. وهل هذا النظام ملك أبينا؟ يشتعل بجاز.. عندها نستبدل المراكب نقفز من الغرقانة ونتعلق بالعائمة.. خفّ تعوم يا درش..
قهقه مصطفى حنفي وهو يصرخ من بين شهقات الضحك:
كيف أخف يا كمال بهذا الكرش.. عمومًا أنا في أمان أكثر منك لأنني في نصف المركب الكسبان في حال حدوث أي مفاجأة..
هل تفكر يا درش في احتمالات ثورة حقيقية تحدث في مصر؟
إذا أردت يا كيمو.. لو حدثت ثورة في مصر ستصبح مصيبة، ولن نعرف لا أنا ولا أنت نقفز عليها ولا نركب الموجة.. لو قامت ثورة في مصر فهي مرهونة سلفًا للإسلام السياسي.. للإخوان المسلمين وما أدراك ما الإخوان المسلمين.. هؤلاء جماعة لا أنا ولا أنت يا كمال سنعرف نأكل معهم عيشًا..
في عرضك يا درش كله إلا الإخوان..
لا يوجد غيرهم في مصر يستطيع تنظيم الوضع إذا انهار النظام.. في تونس حركة النهضة بدأت تقطف ثمار ثورة الياسمين.. وفي مصر لو حدث شيء ستصبح البلد بلد الإخوان.. صدِّقني هؤلاء قادرون ليس فقط أن يأخونون الثورة.. سيأخونون الدولة.. سيأخونونا نحن أنفسنا.. سيلبسوننا كلنا ذقون.. الحريم سيلبسونهم طُرح وخِمارات.. والرجال سيلبسوهم جلابيب وذقون.. أصل هذا هو فكرهم .. وهذه هي نهضتهم!!
يععععععععععع .. فأل الله ولا فألك يا مصطفى.. وهل أنا أطيق شاربك المقرف هذا حتى أراك كذلك بذقن؟
ربنا يستر علينا وعلى مصر .. لا بد أن نقف كلنا يد واحدة من الآن قبل أن يجرفنا جميعًا طوفان الإخوان..
يدي على كتفك يا درش.. ربنا ينفخ في صورة الرجل الكبير ويسيطر على زوجته وإبنه قبل أن تشتعل بنا وبهم..