بالأمسِ مِنْ صبيحةِ يومِ الخميسِ إلى ظهيرةِ يوم الجمعةِ الماضي ولِدَ عندنا شاعرٌ خطَّ عواطفهُ وأحاسيسهُ بالكلماتِ تارةً ...
وبالدّموعِ تارةً أُخرى ...
واللهِ إنّي سمعتُ وقرأتُ في عينيه من كلماتِ الحبِّ والغزلِ والهيامِ والعشقِ والولهِ وبكُلِّ معاني الحبِّ ما أعجزُ عن الإلمامِ بوصفه ,
كلماتٌ بسيطةٌ مُعبّرةٌ ,
وأخرى قويّةٌ وابلةٌ وبكُلِّ لغاتِ العالم .
متى تعلّمتَ كُلّ هذهِ اللُغاتِ يا هذا ؟؟!
متى حفظتَ كُلَّ هذه الأحرفِ والكلماتِ والمعاني ؟.
وعندما اشتدَّ بهِ الولهُ ووصلَ إلى حالةِ الهذيانِ ,
كانت التّعابيرُ أرفعَ ... وأرقَّ ... وأجلَّ من سابقاتها .
بدأت الدموعُ تتدحرجُ من عينيهِ الجميلتينِ كالدررِ بصمتٍ على وجنتيهِ الورديتينِ ... لتختلطَ بعد هنيهاتٍ بالنّشيج.
ولا ينفعُ معهُ كُلُّ حيلِ المواساةِ ...
لأنّهُ أيقنَ بالرّحيل .
وأحسَّ بأنَّ الرّحيلَ ما هو إلا انتزاعٌ للروحِ من الجسدِ .
رفضَ أنْ يُرتِّبَ حقيبتهُ ,
رفضَ أنْ يرتديَ ملابسَ السّفرِ ,
رفضَ الإفطارَ ...
تخاصمَ مع الجميعِ لعلَّ ذلكَ يُجنّبهُ ويلات الرّحيلِ ...
ولم يفدْه ذلك في شيءٍ...
يالا خيبة الأمل ... يالا انقطاع الرجاء !!!
وفي كُلِّ ثانيةٍ تتغيرُ الآهاتُ تصاعداً... والتّعابيرُ حزناً وألماً .. .فترِقُّ الكلماتُ وتعذب.... وتزدادُ الحسراتُ وتعظم ...!
لله ما أطهرَ هذا الحبُ ... فهنيئاً لمن يملكُ كلَ هذه الأحاسيسَ ... ويُجيدُ التّعبيرَ عنها بكُلِّ المفاهيم .
فنظرةُ العيونِ تنطقُ بما فيها .... والحرفُ يلتهبُ... والدمعةُ تأسرُ القلوبَ...
ولا بُدَّ من الرّحيلِ... !
رحمتُكَ يا إلهَ الكونِ !
نتقطّعُ نتمزّقُ نحترقُ ونحن نرى حبّاً يكادُ يصلُ إلى درجةِ العبادةِ ,
ليبدأَ بعدها بالعويلِ والصراخِ .
لقد تخلى عنهُ الجميعُ من وجهةِ نظرهِ ,
لم تشفعْ لهم عيونهم بالبكاءِ ...
لا عذرَ يُفيدُ مع تراكمِ هذا الكمِ من الألمِ و الإحساسِ بالفقدِ ...
فهو لن يصلَ مبتغاهُ ببكاءِ مَنْ حوله .
هو لا ينشدُ إلا البقاءَ معهم وبينهم ...
لأنّهُم عشقُهُ الّذي ما فتئ يُفتتُ الأكبادَ رحيلهُ عنهم .
لم يبالِ بالندبِ والصراخِ عالياً ...
وهو المؤدّبُ الهادئُ في طبعه .
لتأتيَ بعدها لحظةُ انتزاعِ الروحِ من الجسدِ !!!
فتراهُ مُمسكاً بتلابيبِ محبوبتهِ , يقبلُها ,
فيتخضّب خدّيها بدموعه ...
يحضنُها...
يشمُها ...
يركعُ عند قدميها .
ليلجأَ بعدَ انكسارهِ لوسيلةٍ أُخرى ,
يضربُ برأسهِ الجدرانَ وهو يحترقُ أمامنا ونحنُ عاجزونَ أنْ نقدمَ لهُ ما يردُّ لهفتهُ. !!!
فالظّروفُ أكبرُ منا...!
وبعدها ....يصلُ إلى مرحلةِ السّقوطِ والإذلالِ ... ويستحلفُها... ويستحلفُ الجميعَ أن يساعدوهُ لترتحلَ محبوبتُهُ معهُ.
ويأخذُ الوعدَ تلوَ الوعدِ بلقاء قريب ... وأننا لن نألوَ جهداً إلا وبذلناهُ , ومع ذلك فهو غيرُ مقتنعٍ ,
فالرّحيلُ هو الرّحيل...!
ودّعناهُ.. وودّعَنا بالدموعِ الثقالِ الّتي تنزفُ ألماً وحسّرةً وحبّاً وأشواقاً جامحةً , لم يكن ما قبلَها مثلَها , ولن يكونَ ما بعدها بحرارتِها .
نعم... تقسى القلوبُ أو ترقُ إنْ ظُلمت.. .!
ولا أعرفُ أنْ أُترجمَ ذكرى حزينةٍ جميلة ٍ لمحبوبٍ غادرنا بالأمسِ ... ورحل .
وعندما حاولنا وحاولتْ معهُ حبيبتُهُ التواصُلَ بالهاتفِ وعلى وسائلِ التواصل الاجتماعي ... رفضَ التّحدثَ مع الجميعِ .
فكُلُّ عباراتِ المواساةِ لا تفيدُ إذا تقررَ الرّحيلُ طوعاً أو قسراً , لذوي القلوبِ المحبّةِ والأحاسيسِ المرهفةِ .
وتصبحُ الكلماتُ بلا معانٍ ... والمواقفُ خياناتٍ لا تغتفر .
لا تطلبُ السماحَ ممن تُحبُّ إذا هجرتهُ , فلا سماحَ من قلبٍ كسيرٍ وإن نطق به . !!!
لله درُكَ أيُها الصغيرُ الكبيرُ الّذي ودّعتَنا بالدموعِ وسمفونياتِ العشقِ والأدبِ . لقد كنتَ الأبلغَ منا جميعا... !
أحببتُ الشعرَ والبيانَ منذُ نعومةِ أظافري , وقرأتُ الكثير من دواوين الشعرِ وقرضتُه .
ولكنّني لم أجدْ صغيراً يستطيعُ أنْ يعبرَ عما بداخلهِ كما عبّرتَ أنتَ .
كم تمنيتُ لو أنّ لي حبيبةٌ تحملُ في قلبِها مثل هذا الحب لي !!!!
فهل هذا ممكنٌ في هذا العصرِ ؟.
تنازلَ شاعرُنا الجديدُ عن كُلِّ ما يملكُ وكُلَّ امتيازاتهِ... بل ووعدَ أنْ يجعلَ من نفسهِ عبداً لمحبوبتهِ إذا تمسكتْ بهِ.
ولم يجدْ منها سوى الدموعِ رداً على كُلِّ توسّلاتهِ.
يا لقسّوةِ هذه الحياةِ !!!
تفرّقُ بين الأحبّةِ .
ولكنْ ... نتشبثُ بالأملِ ...
بعد كّلِّ فراقٍ ينبتُ أملاً جديداً لنلتقيَ .
حبيبُنا طفلٌ صغيرٌ , في عامهِ الدراسي الثاني , أشقرُ الشّعرِ أبيضُ الملامحِ أطولُ أقرانهِ وأجملهم بعيوننا
!!.
مرحٌ ...
يتعاملُ مع الأيباد واللاب والأيفون ببراعةٍ, يجيدُ كُلَّ ألعابِ البلاستيشن , يحبُّ البحرَ والسّباحةَ , يجيدُ الحوارَ والإقناعَ , يحبُّ المثلجاتِ . ويتحدّثُ إلى جانبِ العربيةِ الإنجليزيةِ والروسيةِ بطلاقةٍ ...
اسمُهُ علي .
فمَنْ رأى طفلاً على شاطئ البحرِ في الدمامِ , يملكُ كُلَّ هذهِ الصّفاتِ مع جمالٍ روحانيٍ وجسديٍ أخاذٍ فهو .....هو .
هو شاعرُنا الّذي امتلكَ وحيَ الشّعرِ مُبكراً ...
بالكلمةِ ... والدمعةِ ... والإشارةِ ... والصّمتِ المكتظ بالمعاني .... وبكُلِ أحاسيسِ الأطفالِ والكبارِ .
ولِدَ حبيبُنا شاعراً منذُ صباحِ خميسِ الأسبوعِ الماضي.
فمَنْ تحصّلَ على حبيبةٍ تحملُ كُلَّ ما حملَ عليٌ مِنْ حُبٍ لحبيبتهِ فقد فاز ...!!! .