إضاءة
هذا الأوبريت كُتب في عام 2004 إبان معارك الفلوجة الأولى في العراق خلال الاحتلال الامريكي الغاشم للعراق.
أخذت فكرته من قصة حقيقية مفادها، إن موسى بن أبي الغسان هذا كان من قادة "أبي عبد الله الصغير" عند سقوط غرناطة التي وافق آخر ملوكها (أبو عبد الله الصغير) على تسليمها للإسبان، وكان هذا القائد الشجاع خارجها، ولما عاد إليها وعلم بما جرى، رفض الاستسلام وخرج يقاتل وحده جحافل الجيش الاسباني التي تحاصر المدينة إلى ان أصيب وسقط في النهر.. ولم يسمع عنه أحد بعد ذلك.
++++
تنفتح الستارة على مشهد بغدادي ويدخل الراوي
الراوي:
موسى بن أبي الغسان الغرناطي ببغداد الآنْ
ما انقطع الحبل السُّريُّ.. وما نسي العنوانْ
ناخت ناقتهُ في «الكرْخ» فأعتقها
ركضتْ نحوَ النَّخلِ فعانقَها..
وتمايَلَ كالوَلْهانْ
لثمتْ خدَّ النهرِ فكفَّ عَن الجرَيانْ
موسى.. هذا الغرناطيُّ الآتي
من شريان القلبِ إلى القلْبِ تفجَّرَ كالبرْكانْ
ومَشى في «المنصور» وحلَّقَ كالعُقْبانْ
استلَّ السيفَ وقبَّلَهُ
وجثى ..كالنَّخلِ ليتلو
فاتحةَ القرآنْ
صوت عميق:
الآنَ.. الآنْ
اشحذْ روحَكَ يا موسى
واضربْ بعصاكَ الحمْقى
الآتينَ مَنَ النّسيانْ
واللاّهينَ بأفكارِ الغلمانْ
وعلوجَ الرومِ فعلِّمْهمْ
فنَّ الموْتِ.. بلا أكفانْ
علِّمْهم كيفَ يموتُ العلجُ مِن الهذيانْ
موسى اضربْ جذرَكَ
في «القاعِ» وَدَعْ
لبني الأحمرَ «أحمرَهمْ»
والتاسعَ من نيسانْ
وامدُدْ في «الفلّوجةِ» جذراً
وتَمدّدْ في الأرْكانْ
موسى امضِ إلى القعْقاعِ وَأيْقظْهُ
فهذا يومٌ تصحو فيه الفرْسانْ
موسى:
قمْ يا قعقاعُ فكسرى عادَ إلى الإيوانْ
الراوي:
غرناطةُ لفَظَتْ أنفاسَ المجدِ .. وغادرَها
الأمواتُ ولم يحْيَ سِوى ابنُ أبي الغسّانْ
السمسار:
(يدخل مرتديا خليطا متنافراً من الملابس العربية والغربية)
مالكَ يا موسى وَلِبغْدادْ
دعْها لبَنيها.. همْ أهلُ الدارْ
همْ من ذاقَوا القهْرَ.. وضاعوا في الأهوارْ
دعْهمْ ليذوقوا طعمَ الدولارِ
وَحقَّ الإنسان!
موسى:
هذي أرضُ النّخلِ.. وعاصمةُ الأمْجادْ
ؤأبو جعفرَ جدّي.. والمأمونُ أبي
والمتنبّي خالُ الأولادْ
فيها فجْرُ الحرْفِ ومعجزةُ البُنْيانْ
منها شعَّ النورُ وعمَّ الدنيا
كم حجَّ إليها المجدُ.. وطافَ «بدجْلتِها» ركبانْ
كيفَ تفرُّ مِن السلطانِ إلى قرْصان؟ْ
العلج ( جندي غربي مدجَّج بالسِّلاح متبجِّحا)
لا سلطانَ اليومَ سوايْ
فأنا القاهِرُ والـ«القبَضاي»
من لا يعرفُني لمْ يشهدْ «رامبو» أو «طرَزانْ»
موسى(بأسى):
من هذا العلجُ الأشبَهُ بالغمّةْ؟
الواقفُ في أعتابِ الأمَّة
يتمَطّى كالذئبِ المُتربِّصِ بالقُطْعانْ؟
الراوي:
هذا ابنُ «إزابيلا» يا موسى
من محكمَة التفتيشِ انتَدَبتْهُ
ليمحو الضادَ من «الحمْراء»
ومن المئذنةِ الأذانْ
موسى:
هذا المنكودْ؟
الفلوجي(بغضب شديد):
هذا المنكودُ يعودُ اليومِ وليسَ غدا
في كيس الموتِ.. بلا جثمانْ
قسماً من ذي قارَ بَني شيْبانْ
سمسار:
مهْلا ..مهْلا.. هذا مفتاح الفردوسْ
هذا جذرُ الخزْرَجِ والأوْسْ
وربيعةََ؛ بلْ شمَّرْ
هذا «برايْمَرْ»
هذا ساحرُ «افعى اللِّبلاب»
هذا «السيّدُ» يا أصحابْ
القعقاع(يرتدي زي الجيش الإسلامي الاول)
أهلا موسى.. ما كنتُ بعيدا
مذْ آعتقتَ الناقةََ كنتُ معكْ
هذا سيفي وَحشاشُ الرّوحِ معكْ
زنْدي في زنْدكَ كفٌّ
وَبَناني بعضُ بنانِكَ.. يصهلُ إنْ
ثارَ النقْعُ رصاصاً.. واللهُ معكْ
الفلوجي (يفتح يديه مرحبا بموسى ويقتربان من بعضهما ويتعانقان حد الاندماج)
اهلا بك يا موسى
في دار العز ولا فخرُ
احلل اهلا.. واوطأ سهلا
قسما يا موسى يدك الأعلى
من سَمِّ خياطكَ ما مرّوا
يا ابن ابي
دع للسمسار دراهمَهُ
وانبذْ في جسدي للميدانْ
بغداد (فتاة في عمر الورد.. يأتي صدى الأذان من بعيد)
عفوا.. فالكبْوَةُ أكبرْ
والعلجُ بخاصِرتي عَسْكرْ
وَطَغى.. وتَجبَّرْ
من يسعِفُني الآن؟
من لي بطبيب يتوَغّلُ في الوجدانْ
ويعيدُ إلى القلبِ الخفقانْ
الراوي وقد ساد الصمت:
في أذني وقرٌ أم ماذا؟
(بعد هنيهة يدوي انفجار هائل)
الراوي: ما هذا؟
صوت (بنشوة عارمة):
هذا بيْتٌ للسيّابْ
في البصرةِ ألقاهُ شبابْ
وصليلُ سيوفٍ في مَيْسانْ
في الموصلِ إذْ صهلتْ خيْلٌ
تبِعتْها صاعقةٌ ذابتْ في صوْت الأذانْ
العلْج (يصيح رافعا ساعده الى وجهه كمن يتقي لهباً)
النخلُ يحاربُني وتراب «القاع» سوارْ
في الفلوجة والأنبارْ
ورصاصُ «القعقاعِ» ثقوبٌ في عقلي
وبهيمُ الليلِ حصارْ
فإلى أينَ أفرُّ وقدْ فرَّ القلبُ إلى «البسطارْ»؟
مَن يعصمُني مِنْ هذا الطوفانْ؟
موسى (يقترب من طرف المسرح وفي يده بندقية مخاطبا الجمهور)
في يومِ بكتْ ولّادةُ لمْ أبكِ
وخرجتُ أذُبُّ بحد السّيْفِ علوجَ الإسبانْ
لم يكسرْ سيفي.. وبقيتُ أصولُ بلا ترْسِ
ورماح القهرِ تَناوشُني.. وسهامُ الخذلانْ
لم يقتلْني سيْفُ الباغي..
قتلتْني من «خيفَتِهِ» الرعْيانْ
قتلتْني النَّخْوَةُ في صدري
ورمتْني الردَّةُ للغيلانْ
لكني عدْتُ الآن
لأقاتلَ في بغدادَ «قطاريز» الشيْطانْ
صوت:
بغدادُ سلاما.. ما هنْتُ وإنْ
بلغَ السيْلُ زُباكِ
لن يحمل سيفَ النصْرِ سواكِ
وسيبقى «الله اكبرُ» في عَلياكِ
يا بنتَ المجدِ وإنْ غابَ المجدُ
سيُحْيي الأحرارُ أباكِ
القعقاع:
من حوْصَلَةِ الطيرِ الأخضرْ
ادعو اليومَ بني الأحمرْ
وأقولُ لأبي عبد الله
ما بعدَ اللهْوِ سوى الخسْرانْ
في الموْتِ حياةٌ أخرى
وحياةُ المرءِ إلى نقصانْ
فارفعْ رايات التحريرْ
من بغدانَ إلى تطوانْ
الفلوجي والقعقاع وموسى معاً (يتقدمون نحو العلج والسمسار الذيْنِ يتراجَعانِ مبهوتيْنِ، فيما ترتفع لوحةٌ لشمس ساطعة في عمق المشهد، لا تلبثُ أن تتلاشى تدريجيا لتستقر مكانها صورة زاهية لبغداد)
نحنُ الشهداءُ وأنتمْ
في طينٌ لازبْ
كونوا للظلْمِ مطايا.. وانتظموا في زخف الليلِ عقاربْ
فالصحراءُ وأفعاها
في قبضةِ مغلوبٍ غالبْ
يحميه النخلُ وترْفدُهُ
من أهل الإيمانِ كتائبْ
الأرضُ تدورُ بمحوَرِها
والغازي مدحورٌ خائبْ
فرياحُ الشرْقِ إلى هيَجانْ
الراوي( يشير بيده الى العلج والسمسار):
في مدرسة التاريخْ .. تلميذانْ
فالأولُ موهوبٌ .. والثاني خسرانْ
الأولُ معتَبِرٌ عاقلْ
والثاني موهومٌ فاشلْ
يرميه الوهمُ إلى وهمٍ
ويظنُّ النصْرَ بأمِ قنابلْ
النصْرُ بحسبتهِ شقّانْ
شقٌّ للجندِ وعدَّتُهمْ
والآخرُ للطيَرانْ
نسيَ الأحمقُ أن النصرَ له شرْطانْ
الأولُ شعبٌ مغبونٌ
والثاني .. صبرُ الأوَّلِ والإيمان
تنسدل الستارة
من ديوان" رسوم على شغاف القلب"