بحر الطويل وزحافات مفاعيلن وخرم وثرم فعولن
بحر الطويل كما هو معروف بوزنه :
فعولن مفاعيلن فعولن مفاعيلن * فعولن مفاعيلن فعولن مفاعيلن
وله عروضة واحدة مخبونة وهي مفاعلن وثلاثة ضروب هي مفاعيلن ومفاعلن وفعولن.
وما نلاحظه من زحافات فقد التزم الشعراء بزحاف القبض في فعولن وعدم مزاحفة مفاعيلن في الحشو. كما نلاحظ حاليا عدم قيام أي شاعر بخرم أو ثرم فعولن في أول بيت الطويل كما ورد في شواهد العروض من الشعر القديم.
قبل أيام أرسل لي الشاعر الكبير شاهر الحربي بيتا للشاعر النابغة الذبياني :
رقاقُ النَّعالِ طَيِّبٌ حُجُزاتُهُمْ * يُحَيُّونَ بالرَّيحانِ يومَ السَّباسِبِ
وهو بيت من بحر الطويل ورد في قصيدة طويلة للشاعر النابغة رحمه الله, وعلق الأخ شاهر بسؤال : هل فيه خلل عروضي.
وأجبته أن الوزن صحيح حسب منهج الفراهيدي ووزن البيت:
فعولن مفاعلن فعول مفاعلن * فعولن مفاعيلن فعولن مفاعلن
وتفعيلة مفاعيلن في الشطر الأول مقبوضة.
ورأي الشاعر شاهر الحربي أنه لا يستسيغ القبض في تفعيلة مفاعيلن وهذه وجهة نظره كما هي وجهة نظر كثير من الشعراء, لكن الأمانة تحتم علينا أن نبين رأي الفراهيدي والأخفش في ذلك, وكذلك من من الشعراء العرب الكبار من استساغ الزحاف في مفاعيلن.
ولابد من أن نذكر أن الشعراء في السابق أيضا لم يستسيغوا أي زحاف في مفاعيلن في حشو البيت إلا ما ندر , وإن الفراهيدي والأخفش أجازا القبض والكف واختلفا في ذلك, فالفراهيدي استسحسن القبض بينما الأخفش استحسن الكف.
وأمثلة على هذه الزحافات إضافة لبيت النابغة الذبياني, فقد ورد في ديوان امرئ القيس بيت في قصيدة على بحر الطويل بضربه الثاني:
سماحةُ ذا وبرُّ ذا ووفاءُ ذا * ونائلُ ذا إذا صحا وإذا سكرْ
فعول مفاعلن فعول مفاعلن * فعول مفاعلن فعول مفاعلن
وكما نرى أن امرأ القيس قبض كافة التفعيلات في الشطرين. وامرؤ القيس غني عن التعريف بشاعريته الكبيرة.
كما ورد قبض مفاعيلن في بيت من قصيدة للشاعر مسكين الدرامي وهو شاعر كبير من العراق في العصر الأموي وهي من الطويل بضربه الثالث:
أخاكَ أخاكَ إنَّ من لا أخا لَهُ * كساعٍ إلى الهيجا بغيرِ سلاحِ
فعول مفاعلن فعول مفاعلن * فعولن مفاعيلن فعول فعولن
أما زحاف الكف فلم أجد له شاهدا إلا ما ورد في بيت مخروم
شاقَتكَ أحداجُ سُليمى بِعاقِلٍ * فَعيناكَ للبينِ تَجودانِ بالدَّمعِ
عولن مفاعيل فعولن مفاعلن * فعولن مفاعيل فعولن مفاعيلن
وهناك ما يسمى بالثرم وهو الخرم والقبض في أول تفعيلة البيت :
هاجَكَ ربعٌ دارسُ الرَّسمِ باللوى * لأسماءَ عَفَّى آيَهُ المُورُ والقَطرُ
عول مفاعلن فعولن مفاعلن * فعولن مفاعيلن فعولن مفاعيلن
والشاهدان الأخيران موجودان في المصادر لكن دون نسبهما إلى قائليهما.
ومما يتضح :
1- أن شعراءنا المعاصرين بصورة عامة لم يعودوا يستسيغون الخرم (الثلم) أو (الثرم), وهذا موضوع سبق وأن كتبت عنه وعن الخزم لما ينتجانه من تغيير في إيقاع الوزن.
2 - القبض والكف في تفعيلة مفاعيلن جائزة عروضيا ويبقى اعتماد أي منهما على ذائقة الشاعر وما يستسيغه, مع ملاحظة أنه لا يجوز الجمع بينهما في تفعيلة واحدة, فالتفعيلة إما تقبض أو تكف.
3 – أما فعولن فنلاحظ أن الشعراء يكثرون من قبضها في الحشو لما يضيفه القبض من إيقاع جميل على الوزن, علما بأن الوزن حين يكون على الضرب الثالث أي المحذوف (فعولن) فقد اختلف أيضا الفراهيدي والأخفش في زحاف فعولن قبل الضرب فالفراهيدي ألزم القبض فيها والأخفش أجاز أن تكون سالمة أو مقبوضة, وأمثلة كثيرة على التزام الشعراء بقبض فعولن ما قبل الضرب الثالث كبيت أبي الأسود الدؤلي إضافة لبيت الشاعر مسكين الدرامي أعلاه:
وما كلُّ ذي لبٍّ بمؤتيكَ نُصحَهُ * وما كلُّ مؤتٍ نُصحَهُ بلبيبِ
فعولن مفاعيلن فعولن مفاعلن * فعولن مفاعيلن فعول فعولن
وتبين لوحات التقطيع المرفقة تقطيع كل بيت ورد أما ما هو باللون الأحمر فإما زحاف , ويبين أحدها تأثير الخرم أو الثرم في شكل البيت.
وأترك استساغة الزحافات في مفاعيلن لشعرائتا الأعزاء.
تحياتي وتقديري