وذكرت أياما بأرض حباطة**سكانها أفعى الرياح وعقرب.
.
إما تسير هناك لست ترى سوى**بعض السراب من الثرى يتسرب.
.
والريح تسمعك الذي أخبرتها**بدموع صوت للصدى تتسكب.
.
واليوم قد باتت محط رحالنا**إن حام ذئب حولنا يتسحب..
المطلع مثير ويُهيّئ السامع لما تريد أن تقصّه على السامعين أو تخبرهم به
( سكانها افعى الرياح وعقرب) تصوير فيه قوّة وجزالة لحركة الرياح وصوتها، كأنّك انتقلت للتوّ من الزمن الجاهليّ وبداوة إحساسه !
وتكرار حرف السين المهموس يبعث الذكرى في نفس الشاعر ويُعمّقها في الأبيات التي تلي المطلع وكأنّ الشاعر يتنفّس من خلالها ثم يحافظ على رباطة جأشه ورزانته لئلا يبدو الضعف والرقة مع الانسياب والاشتياق لهذه البقعة وذلك عن طريق حبس المشاعر من خلال قافية الباء وهو حرف مطبق وزاد ضبط تلك المشاعر عن طريق زمّ الشفتين خلال الضم .
.
ما كنت أحسب يا حباطة أنني**سأراك موقعة لها أترقب..
.
فالجند فوقك كالأسود تربصت**وبدى لها ناب يكظ ومخلب.
.
قد حلق الأبطال حول حدودنا**وسيوفهم في الغمد باتت ترقب.
.
تلك السيوف تذود ليست تعتدي**وتري العدو الناب أنى يذهب.
الله الله !
أرى لفظ ( يكظ) تعبير جميل جدا للناب والمخلب وهو يدلّ على كثرة الأسود الشجعان فلم يعد يميز العدو فيهم ولايرى غير ناب ومخلب ،وذلك يوحي بالاستعداد الكبير الشرس للهجوم على الخصم ورد كيده ،وهاهي سيوفهم التي في الغمد تترقب لتقتنص الفرصة المناسبة لاستلالها ومقاتلتها ، ثم يصف السيوف بأنها تذود عن حمى حق ولم تبتدئ العداء والظلم.
والعجز ( وتري العدو الناب أنّى يذهب) يؤكد على صحة الصورة السابقة من اكتظاظ الناب والمخلب حين تكشير الأسود واعتلاء اصواتهم في القتال فلا يبرز بشكل ملفت إلا تلك الأنياب الذي يحاول العدوّ تتبعها أنّى تذهب حَذِرا خائفا وهؤلاء الاسةد يتعمدون إبراز أنيابهم واستعراض كثرتها لبثّ الرعب في العدوّ.
وقد تُفسّر الانياب هنا بالأسلحة فهي تشبه اسنّة الرماح الحادة وقد يريد الشاعر هذا المعنى من خلال رسم الصورة العامة للاسد والتركيز على الانياب والمخالب الحادّة وهي اسلحته الحقيقية تشبه اسلحة المقاتلين من الرماح والسيوف ، تشبيه موفق للابطال بالاسود واستعارة رائعة للسيوف وجعلها كالإنسان الذي يترقب امرا خطيرا وهو على استعداد لمواجهته .
.
أيام كنت هناك كانت شربتي**من ماء ( ليبيا )طاب منها المشرب..
.
فيها ولدت وعشت فوق رمالها**وأنا إلى أرض الكنانة أنسب..
.
أمان لي( ليبيا) و(مصر) وما جفت**أم علي ولا نسى همي أب.
.
فالشمس تشرق في( الكنانة) بالضيا**والبدر في (ليبيا) يطل ويرقب
أنعِم بكنانة وليبيا وسكّانها
ختمت القصيدة ببيت رائع الشمس تشرق بالضياء في موطنه الأصلي أرض كنانة ( مصر) ، والبدر يطل ويرقب في ليبيا ، هذه تمثّل حالة كل من رحل أو عاش في بلدة غير موطنه حتى لو أنس بها وأحبّ اهلها يظل في شوق دائم إلى موطنه الأصلي .
جمعت القصيدة الذكريات وهي تشبه الوقوف على الطلل والفخر بالابطال وبالوطن ، ومشاعر الودّ والألفة للبلاد الأخرى الي عاش بها وخالط أهلها .
هنا قرأتُ الأصالة والشاعرية والفخر الذي يستحق أن يكون في هذا الموقف كبيرا ، عظيما .
وادقّ لقلمكم تحيّة احترام وإكبار .