في ضيافة أبا نؤاس/حكيم الحويزي
البارحة كنت في،ضيافة أبا نؤاس دخلت مضيفه المغمور بالإحساس كان أبا معتوق منزويا في الديوان حزينا كئيبا كالأمير الذي فقد ولايته و هبط،صيته بين الناس و بجواره أوراق منكمشة منتثرة.
فالقيت إليه التحية؛
السلام على سلطان البلاغة و أمير البيان…
و جلست متحيّرا.
فردّ بصوت خافت عليك السلام يا بنيَّ
أخبرني عن أحوال مدينتي التي تركتني أسير غبار النسيان…
فأجبته بصمت مزركش بالخجل دون كلام…
فضحك أبو نؤاس بصوت مرتفع حتى يكاد يغمى عليه ولما هدأ قليلا قال ؛ أما ترى' يا أبا معتوق إنّك أصبحتَ في خبر كان وصرت غريبا في مدينتك بعد ما كان لك من المجد ما كان ..وقصائدك العصماء باتت في المتاحف يقضمها سوس الأهمال
امّا أنا مازلت أتربّع في قلب بغداد و صيتي كل يوم يزداد وإن دواويني يفوح منها عبق النشوة كأنها كوز خمر يأتي إليها العشّاق ويسكبون قصائدا يحتسونها ويسكرون ويسهرون وأنا لا اكتب
النصائح مثلك ، رفقائي هم الخمر و السهر و الغلمان
فأبتسم ابو معتوق أبتسامة عريضة وأجابه ؛
ﻋﻠﻰ ﺭِﺳْﻠِﻚ يا أبا نؤاس وكما تعلم إن رفاقي الزّهاد و الحكماء وهم قليلون وقصائدي تنضح بالحكمة و الإيمان ومن فقد صوابه بقصائدك سوف يشفى بجرعة قصيدة من ديواني ويفرّ منه الشيطان… فأنت ساحرٌ
ٌ لكّن قلمي كعصاء موسى يلتقف الثعبان…
فضحك أبا نؤاس و بنكهة ماكرة قال :حقّا إنّك أمير البيان
ثم سكب لنا القهوة وجلسنا وتسامرنا حتّى غلب الوسن الأجفان ، فناما، و أستيقضت أنا وتركت الشاعران يرقدان في ذاكرة الزمان…
حكيم ناصر الحويزي