صحوت على جلبة عند شرفة منزلي وقد اعتادت بعض الطيور أن ترتادها ..فإذا بطير الكنار خاصتي صريعاً في قفصه
آذَن الليلُ بخَطـْـبٍ ثمّ غابْ
و دنا الفجـرُ وئيـداً في ارتيـابْ
أتباشير مزاياً أقبلتْ
أم خيوطٌ من تلابيب العَـذابْ ؟
يا جديدين ..و ماذا جـدّ لي
أنّة الثاكلِ أم نوحُ مُصــاب؟
أيّهــا الطائرُ مهلاً إنني
موصِدٌ بعدكَ دوني كلّ باب
فإذا ركنك نادى شجَناً
نازعتني فيك شفْـراتُ العتاب
أنَديمي! كمْ تسامرنا معاً
وامتطينا البِشرَ أجياداً عِرابْ
وتبادلنا كؤوساً من هوى
وثمِلنا نشوةً دون شراب
واستفقنا .. أيّ ليلٍ غادرٍ
سرق البشرى وَوافى بالتّبابْ
كنتَ تحدونِيَ لحناً ساحراً
وأنا خلفك مأخـوذُ اللبــابْ
يا أغانيكَ ! لكم أُشْـرِبتُهــا
و رَوتني من أغاريـدَ عِذاب
كتبوا الشعرَ يُغَنّـى.. وأنا
من صدى لحنِكَ سطّرتُ الكتابْ
دقّ مزمارُك عنْ أنمُلةٍ
وتهادى اللحنُ يجتاز الرّحاب
سلّم العزف مقاماً صُغتهُ
من " نهاوند" قراراً وجَواب (1)
أيّ بوحٍ خالصٍ لا يرتجي
من فم الجذلان مدحاً و ثواب
أيّ موسيقى أراها ذهبتْ
برقادي وأطاشتْ بالصوابْ
فإذا غنّـيتَ للظّمأى انبرتْ
تستقي من فيكَ أطيافُ السحابْ
سحّ منها الِبشرُ لمّا أُثقِلَتْ
صيّباً ينهلُّ من صافي الرّبابْ
يا لِمَرآكَ صريعاً أيقظتْ
نارُهُ فِــيَّ تباريحَ العذابْ
ربما أرداك طيرٌ جارحٌ
ويحه الغرّيد لم يظفر بِنابْ!
آه من شدوكَ أمسى شجناً
حين أزرى بك دهرٌ ذو انقلابْ
أتُرى.. شاقك لحنٌ ناشزٌ
ناعقٌ بالبؤس في جِلدِ غراب؟
أتُرى آخر لحنٍ صُغتَهُ
كان هجراناً وإعلان غيابْ
إيـه يا طيرَ الكناري إننا
إرتدينا الهمَّ من تحت الثياب
وسياط الدهر إذْ تجلدُنــا
وصروفٌ وقعها وخزُ الحِرابْ
وسنونٌ خادعاتٌ بالمنى
ودروبٌ هادياتٌ للسّرابْ
ورَثيْنا الشدوَ نبكي أسَفاً
مُـذْ جرى اللحنُ بأفواهِ الذّباب
إنّ هذا الدهر ما أبقى لمنْ
ينشد الصّفو نشيداً يُستطابْ
أيّ دهرٍ شُنِـّفَـتْ آذانُهُ
لابتذال الفنّ وامتدّتْ رقاب ؟!
وكلانا قابعٌ في قفصٍ
أحبيساً كان أو سِيمَ اغترابْ
أطبق السجن علينا فَـدَعو..(م)
نا نغنّي! لم يعدْ يُجْـديِ انتِحـابْ
ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــ
(1)القرار والجواب من السلم الموسيقي