لا حول ولا قوة إلا بالله، حسبنا الله ونعم الوكيل
نرفع أكفّنا لرب السّماء كي يزيل عنّا ضعف هذه الأمة وما أصابها من عطب الوعي ويمنحنها التدبير في بناء المجتمعات على أساس التربية الأخلاقية المستقاة من وحي شريعة الله..
والله مؤلم جدا ما نعيشه في عصر ازدياد الفساد والفواحش والمعاصي، والأمرّ من ذلك، مشاهدة الانحطاط في كل ميادين الحياة الاجتماعية في كل مكان، ولو عدنا للأسباب المؤدية لهذا الانحطاط الأخلاقي، هو إدارة الشعوب تحت الوعي القرآني وما فيه من نظم اصلاحية متعددة تبدأ من خلال الفرد لتنطلق نحو بؤرة أوسع هي المجتمعات كاملة والتي تقع في نطاق الأمة الإسلامية والعربية بحد ذاتها، وطالما فقدنا إدارة رشيدة للملمة الشعوب في نطاق أخلاقي وتربوي يقوم على منهاج السماء، حينها نجد هذه التخبطات والانفلات الأخلاقي، طالما لم يجدوا رادعاً يردعهم بالطرق الصحيحة وليس بالطرق الغربية التي لا تغني في صقل الشخصيات على أساس عقاب رادع متين، فالقرآن العظيم في وصفه للكافرين ماذا يقول: { بأنّهم قومٌ لا يفقهمون} والفقه هنا هو أثر فاعلية الإيمان ودرجته في إحداث التغيير الجذري في شخصية الإنسان وتحويله من عبودية الأشياء والإنسان لتطهيره للوصول لعبادة رب العباد، فالكفرة لا يفقهون منازل الإيمان والتربية على أساس تخليص الذات من كل علق الفساد والمعاصي والذنوب، لتكون في حالات التطهر الذاتي بامتدادها من أفواه السماء، لتكون تربيته من خلال عقيدة متينة راسخة كالجبال، لا تقبل الوقوع بالمحظورات، ويتنزه بإيمانه عن كل الموبقات من خلال تعبئته بالطاقات التي تحقق له الأمن بكل أبعاده وأنواعه..
لكن ما حصل لهذه الأمة المريضة الضعيفة، هو الزحف الفكري والثقافي الغربي والصهيوني وانتشاره زحفاً من مئات السنين للأمة الإسلامية المتماسكة، بغية تفكيك أواصرها وكسر روابطها الدينية، لتتآكل بذاتها وتنحدر بمظاهر هذه السياسة البغيضة، نحو أسفل سافلين، وهذه السياسة لم تكن محض بناء قصير الزمن، بل كانت بتخطيط وراثي للأجيال المتعاقبة في تحطيم قوة متنا الإسلامية، لأنهم يدركون من نتاج هذه القوة الإسلامية هو سيطرتها على العالم كله وانتشار الإسلام وأثره في كل بقعة في الأرض..
لذلك العوامل في هذا الانحطاط كثيرة، تبدأ من سوء الإدارة في الدولة من رأس الهرم لأسفله، لذلك هذه الأمة تحتاج للتجديد في فاعلية النظم التربوية للأفراد أولاً الذين يديرون سدّة الحكم، ثم انتشرها على كل مؤسسات المجتمع بأنظمتها وممن يديرونها، حتى تكون الفاعلية بأثر تربوي إيماني يحقق منابت الشريعة في السلوكيات البشرية، لذلك المسؤولية كبيرة في ضبط المجتمعات والتي يتحمل هذه المسؤولية الأفراد العامة وأصحاب إدارة البلاد الكبار من القادة والحكام وولاة الأمر، وبما أن هؤلاء فاسدين مفسدون، فكيف نرجو منهم صلاح الشعوب ودفات البلاد المختلفة التي ترزح تحت الاستبداد والقتل والسجن والهدم من قبلهم، لذلك التجديد يحتاج التحرر من قيود الفكر الغربي والثقافة المدسوسة، وتجديد نظام القيم من خلال إعادة قيم العدل العامة دون التركيز فقط على أفراد دون أفراد، وتجديد مناهج التفكير عند الإنسان العربي، ليصبح ناقداً ذاتياً بدل التفكير الذي يبرر له مسالكه وأنظمة الحكم الذي يعايشها، وبتفكير شامل وليس بشكل جزئي، وتقوم على الوعي التام للنفحات الألهية المتجددة التي تساهم في تهذيب النفوس الفردية، وتطوير الحياة الاجتماعية، بدون أن تكون الأفراد في وطأة الاعتماد على الغير، التي تدل على طفولة عقلية ونفسية، ولا في درجة استقلاليتها عن الغير، التي تعبر عن مراهقة فكرية وذاتية، وما نحتاجه هو عملية التبادل الصحيح في درجات التعاون مع الآخر، وهذه ما تحمله من نضج فكري نفسي يساهم في مرحلة الرشد الإنساني وقمة الوعي في كل حيثيات النفس والحياة..
لذلك الأمة اليوم في غفلة عن وحدات الأشخاص المجرمين والذين يبثون الرذائل وكل نواع الفساد والإجرام، وكثرة هؤلاء تدل على عجزها العميق في إيجاد وسائل رادعة عامة وليست خاصة لكل من يقوم بمثل هذه المحرمات، وهذا غياب اجتماعي وغياب وعي ناضج لتدارك الأزمات التي تزداد كل يوم، وهي لا تملك مرحلة النضج التي تؤهلها في مواجهة الزحف المشكل ولا تستطيع الوقوف حيال أية أزمة تعترضها، لأنها لا تحمل مقاليد القوة لردع أي عنفوان أو تيار يسيء لها ولأنظمتها..
شاعرنا الكبير البارع:
أ.محمد حمود الحميري
لقد قدمتم لوحة تحمل كل جماليات اللغة بتراكيبها وأوصافها وصورها المتقنة، لتجسيد مصغّر لحالة الأمة اليوم، وما نتج عن ضعف إدارتها وقصورها في تدارك هذه الفجوة الإجرامية التي تتسع بؤرتها كل يوم بتوسع الجهل وعدم فهم فقه المعاملات وفقه الأنظمة السماوية والتي هي الوحيدة التي تنقذ المجتمعات والأمة من انتشار الفساد والمعاصي والتي هي من صنع الأيدي الآثمة..
استطعتم شاعرنا الكبير بلغتكم الشعرية البارعة في تنظيم الحروف وتراكيبها المتقنة أن تحيلوا هذه القضية للمجتمع العام تحت سقف الموعظة والعبر والحكمة، وهذه هي رسالة الشاعر الحر الثائر على الباطل وأهله..
أوجعتنا على حالة الفرد في مجتمع عربي، وهو حالة من آلاف الحالات التي تعرض كل يوم على الملأ بلا تردد ولا خوف ولا حساب لأية فئة حاكمة، لأن الفئات الحاكمة من نفس القاع والجنس..
بورك بقلمكم البارع وما قدمتم من غيرة على هذا الشعب المتخبط في مساراته المختلفة..
وفقكم الله ورضي عنكم
ونحن نسأله سبحانه وتعالى إصلاحنا وأمتنا الإسلامية والعربية..
.
.
.
جهاد بدران
فلسطينية