لأنهم غادروا .. آثرتُ أن أبقى
ألِفتُ قيديَ .. حُـرّاً لمْ يشأ عِتْـقا!
راسٍ تنشّقَ أنفاسَ السّما صُعُداً
ولم يزلْ شامخاً يستوطنُ العمْقا!
كنَخلةٍ .. ما حنتْ للريحِ هامتها
وإن تأوّدَ عُرجونٌ رمى عِذقا
همو تسامَوا وربّ الغيثِ ألّـفهمْ
وقبل صيّبِهـمْ إستقدحوا برقا
وقد مكثتُ كما يوصونني شجراً
شرّعتُ أذرعتي أستقبلُ الودْقـا
غابوا .. ولا شيء منهمْ في المقام سِوى
ظِـلٍّ مشى.. ومشى واستوعبَ الأفقا
وكلّما اشْتقتُ صوتَ الماء في ظمئي
رأيتُهمْ سحُباً تعلو لتُستسْقى
سالوا شذاً .. وعلى القرطاس نفحتُهم
ومن سيلتقط الأنداءَ لنْ يشقى
أصواتهمْ لم تزلْ في القربِ منذُ حكَوا
وحين فتّشتُ ألفيتُ الصدى خفقـا
كلّ الشدائد ما كانت تحاصرُهمْ
لأنهم ضربوا من حولها طوقا!
لأنها الأرض .. أسقتهم عُصارَتها
صبّوا الدماء لها يروونها دفْـقا
همْ كلما انغرسوا في الأرض أنملةً
أضاء في أفقهم وجهُ السما طلقا
وحين غُلّـقـَتِ الأبوابُ دونهمُ
مدّوا الجسوم يداً تستعذبُ الطّـرْقا
كانوا من المهد إصراراً يلقنني
حرفَ الكبار ولمّا أملك النُـطقا
كبرتُ لكنني حاذيتُ رحلتهمْ
فإنْ عجلتُ تناديني الخطى :رِفـْقا
تلك التفاصيل مما خلّفوا مثُلَتْ
شيخاً يعلمني إجلالَ ما دَقّــا
هنا بقيةُ آثارٍ أُلملِمُـها
أستنشقُ الطيبَ مَسعاهمْ إلى المرقى