أستعد للسفر وللسفر مشقة كلما جاء موعده أرهقني فساعاته السبع تمر وكأنها السبع العجاف في صعيد المحروسة فاتني القطار ولم يكن من اختيار فاتجهت للقاطرة ,تحمل أربعون هذا الصباح وكأن الناس أضربت عن السفر , وضعت حقيبتي وجلست بمفردي سعيد اً أستمتع بكتاب لروائي مفضل لدي ,فضلت أن أبدأ بقراءة الجريدة هكذا يفعل المثقفون وتجهمت مثلهم ولست في مشقة لفعل ذلك, كانت عيناي تراقب القادمين, والراكبون يراقبون, عيناي تخبراني وترسل إشارات هذا رجل عجوز أتجهم ويتجه الرجل إلى مكان بعيد, وهذه سيدة عتيا في العمر أتجهم أكثر فترحل عني, وهذا شاب يبدوا عليه الاستهتار أضع على الكرسي الكتاب فيباعد بيني وبينه,ماذا أنتظر ربما ذاك الشاب المؤدب المثقف الذي قابلته صدفةً ذات مرة تحدثنا كثيراً ورأيته فاهماً في كل شيء مقنعاً يعرف في السياسة كما يعرف في الأديان معتدل ومتوازن , لم أُنهي عناوين الجريدة وفجأة تطايرت العيون من حولي حتى عيون العجائز وتمنيت لو عيناها أرفقت بي ولو رأيت صاحبي الذي كان في مخيلتي فكأني لم أراه وتبسمت فأسعدت كل الحضور ,حافظت على تجهمي رغم ما أُخفي فتركتني للتجاعيد التي اصطنعتها وراحت في مكان غير بعيد لتجلس مع شاب أخر كان طبيعياً في جلسته أفسح لها فجلست بجانبه لتحترق داخلي وخارجي كل سعرات التجهم لائماً عيناي وعقلي محدثاً معركة بين كل أعضاء جسدي ,تزداد المشاجرة كلما تعاليا في الضحك وألوم نفسي أنهيت الجريدة وكأني ما قرأت , أتمايل ذات اليمين وذات اليسار أُجند أذني فتأتي بما كرهت , أضع اليمين على اليسار وبالعكس ولا أحد بي يحس,نسيت الكتاب وتاه الكاتب من فكري وبه وبكتابه ما شعرت , يداعب أناملها بإبهامه أيريدني أن ألقي بنفسي من الحافلة ترددت , تبحث عيناي هنا وهناك لافتة تحمل ممنوع التدخين قرأتها ألف مرة وألف, كل ما لديهم من مشروبات شربت ,وما هدأت , وأراد أن يعطيني القاضية فتأبطها ذراعا وهبطا سوياً ,متأبطاً أنا كتابي الذي أحرقته بعد أن احترقت....