و الابتلاء بالشر مفهوم أمره.
ليتكشف مدى احتمال المبتلى، ومدى صبره على الضر،
و مدى ثقته في ربه، و رجائه في رحمته..
فأما الابتلاء بالخير فهو في حاجة إلى بيان..
إن الابتلاء بالخير أشد وطأة،
و إن خيل للناس أنه دون الابتلاء بالشر..
إن كثيرين يصمدون للابتلاء بالشر
و لكن القلة القليلة هي التي تصمد للابتلاء بالخير.
كثيرون يصبرون على الابتلاء بالمرض و الضعف.
و لكن قليلين هم الذين يصبرون على الابتلاء بالصحة و القدرة.
و يكبحون جماح القوة الهائجة في كيانهم الجامحة في أوصالهم.
كثيرون يصبرون على الفقر و الحرمان فلا تتهاوى نفوسهم و لا تذل.
و لكن القليلين هم الذين يصبرون على الثراء و الوجدان.
و ما يغريان به من متاع، و ما يثيرانه من شهوات و أطماع!
كثيرون يصبرون على التعذيب و الإيذاء فلا يخيفهم،
و يصبرون على التهديد و الوعيد فلا يرهبهم.
و لكن قليلين هم الذين يصبرون على الإغراء بالرغائب و المناصب
و المتاع و الثراء!
كثيرون يصبرون على الكفاح و الجراح؛
و لكن قليلين هم الذين يصبرون على الدعة و المراح.
ثم لا يصابون بالحرص الذي يذل أعناق الرجال.
و بالاسترخاء الذيس يقعد الهمم ويذلل الأرواح!
إن الابتلاء بالشدة يثير الكبرياء،
و يستحث المقاومة و يجند الأعصاب،
فتكون القوى كلها معبأة لاستقبال الشدة و الصمود لها.
أما الرخاء فيرخي الأعصاب و ينيمها
و يفقدها القدرة على اليقظة و المقاومة!
لذك يجتاز الكثيرون مرحلة الشدة بنجاح،
حتى إذا جاءهم الرخاء سقطوا في الابتلاء!
و ذلك شأن البشر.. إلا من عصم الله
فكانوا ممن قال فيهم رسول الله - صلى الله عليه و سلم -:
(عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله خير، و ليس ذاك لأحد إلا للمؤمن،
إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له، و إن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له)..
و هم قليل!
فاليقظة للنفس في الابتلاء بالخير أولى من اليقظة لها في الابتلاء بالشر.
و الصلة بالله في الحالين هي وحدها الضمان..”