قصة من مجموعتي القصصية
( انكسارات أمير جنوبي)
الضوء العالق في سقف الغرفة
م. نديم علي
سقف به مصدر ضوء .. يزعجني كثيرا .. وجوه غريبة ضخمة الملامح وأنوف تهبط على وجهي تلامس شفاهها الغليظة جبيني ...بعضها كان خشنا وأكثرها كان ناعما .. تضايقني الوجوه الخشنة المتطفلة.
أصوات وثرثرة، تضايقني الثرثرة .. كانوا يهنئون الراقدة إلى جواري ويقبلونها أيضا .. اليد الناعمة الراقدة في جواري .. تدفئني وتدس بين شفتي شيئا غضا، يدفق منه شيء دافئا حلوا ،يدغدغ في فمي لذة أحبها، ويخمد في بطني ألما أكرهه.
يغيب الضوء في سقف الغرفة ، يعم الهدوء .. لا أحب ذلك الضوء العالق في سقف الغرفة. ألوذ بوسادتي الطرية الدافئة الراقدة في جانبي، أتململ في لفافاتي المبتلة.
خواطر انتابتني بعيد صلاة الفجر،حين جلست أمارس عادتي الرتيبة في تناول إفطاري الصباحي ،كانت عيناي معلقتين بورقة التقويم الكارتوني على صدر الحائط، وإذ أنزع يوما سابقا ، بدا لي الحادي عشر من ديسمبر؛
في مثل ذلك اليوم، شهر مر الآن من عمري الدنيوي على هذه الأرض. لاحظ الجميع صمتي وقلة حركتي.شعر والدي بالقلق وشعرت ذات الشعور الوسادة الدافئة الراقدة إلى جواري .. كان وجهها الأسمر جميلا .. تذرف بعض لالئ لامعة على وجنتيها.
حملوني في لفافاتي الكثيرة ، برودة تشعل ارنبة أنفي .. يندفع الهواء في صدري ،أعطس بشدة .. يضحك الجميع من ضعفي وحركتي .. أبكي غيظا وبصوت مكتوم.
دسوا في فمي أشياء ذات طعم مر .. ابتلعتها مضطرا .. ووخزوني في مؤخرتي بأشياء أخرى مؤلمة، وهل كان في مقدوري ساعتها ان أحمي ذلك الجزء الجنوبي من جسدي !! بكيت مرة أخرى وبصوت مكتوم أيضا .. وغاب الوجود عن عيني!
ها أنذا مرة اخرى تحت ذلك السقف ذي الضوء المعلق في منتصفه؛ إن غاب ، غابت معه تلك الوجوه التي تتساقط فوقي ، بين مهنئين ، وعائدين، يمصمصون شفاههم شفقة على ذلك الرضيع الساكت.
انتظر لحظة أن يغيب ذلك الضوء من سقف الغرفة، استرخي وألوذ بوسادتي الدافئة طالما كانت لفافاتي نظيفة.
ما زال الصمت يتملكني .. أعشق صمتي هذا ، ولا أحب تلك الأنوف والأفواه الضخمة الخشنة المتساقطة فوقي، وإن كنت أعشق تلك الشفاه الناعمة التي ، بين الحين والآخر ، تلثم جبيني الصغير.وما زلت أعشق صمتي.
عادتي اليومية، هي محاولاتي المضنية لإقناع امي ذات التسعين ربيعا بتناول (حبة الضغط) حفظا لصحتها، تناولتها مني على مضض، نبهتني بأن الضوء العالق في سقف غرفتها، لا يشتعل بسهولة وعليك تغيير ( اللمبة)، وأن لا أنسى أن أنزع ورقة الأمس من التقويم الكارتوني، وهي في إصرارها الغريب على أن تتسلمها مني يدا بيد، لتحتفظ بها تحت وسادتها!
.وتساءلت عيونها في ألم رفيق ودهشة مستغربة .. ألم يدق بابنا أحد هذا النهار أيضا؟
لاحظت بها اعوجاجا وميلا بسيطا ،ثبت كارتونة التقويم بإحكام في صدر الحائط.
ساءلت نفسي مندهشا، لماذا الآن؟ وفي هذه السن من النضج وكل هذا العمر،لماذا أخاف النوم دون الضوء العالق في سقف الغرفة؟