بسم الله الرحمن الرحيم
القضية الدنماركية و الخُبث من ورائها
تناولت وسائل الاعلام بكثافة واهتمام شديد قضية نشر الصور المسيئة للرسول ( ص ) , واللافت للنظر أن الاهتمام بهذه القضية كان واسع النطاق , فوسائل الاعلام وظفت برامجها في هذه المسالة , وتعدى الامر الى شجب و استنكار من مختلف المؤسسات الاسلامية العربية منها و العجمية , في الشرق الاوسط و الدول الغربية منها .
بل تم حرق السفارة الدنماركية في كل من سوريا و لبنان . وقامت المظاهرات في معظم البلدان العربية , وتم استدعاء معظم السفراء في البلدان العربية .
وهنا من السذاجة أن يتم تناول هذه القضية بمعزل عن الاهداف الكامنة وراءها , فقد سبق و أن تعرض القرآن الكريم للإهانة في السجون الامريكية , وقام بعض الحاقدين بالبول عليه , ولم ينعكس ذلك على الشارع العربي ولم يتناول الإعلام هذه القضية بالزخم الذي تم به تناول التطاول الدنماركي الأخير . ولا ننسى الفيلم الذي تم فيه رسم آيات قرآنية على أجساد النساء العارية , فلماذا تم الاهتمام بالتطاول الدنماركي ولم يتم ذلك عندما تطاول الامريكان و البريطان من قبل ؟؟
المعروف أن الدنمارك لم تكن دولة استعمارية للمسلمين , وليس لديها أي مطامع استعمارية , وهنا يجدر الذكر أن العلاقة التي تربط المسلمين بالدنمارك كدولة غير استعمارية يجب أن تختلف عن تلك العلاقة التي تجمع المسلمين بأمريكا و بريطانيا و فرنسا بوصفهن دولا إستعمارية , و تطاول الدول الاستعمارية و محاربتها للدين الاسلامي متكررة , أما الدنمارك فكان هذا التطاول الأول من نوعه , ولكنه جوبه باستنكار و غضب شديدين كان الأوجب إظهاره عندما قامت أمريكا و حلفاؤها باستباحة دم المسلمين و انتهاك أراضيهم و التعرض لنسائهم , فهل أظهر الشارع العربي جُبنه للثور الأسود , ولكنه انتهز فرصة تفريغ هذا الغضب على الثور الأصفر الدنماركي ؟؟
القضية الدنماركية بدأت بعد أن أثار الإعلام السعودي قضية نشر صور كان قد تم نشرها قبل 3 أشهر , وتم استدعاء السفير الدنماركي لتسليم ورقة شجب و استنكار , وهنا يُلاحظ أن إثارة هذه المسألة لم تكن فورية , بل كان قد مضى عليها 3 أشهر , وعلى إثر ذلك اهتمت قنوات الجزيرة و العربية و القنوات الفضائية الاخرى اهتماما ملفتا للنظر مما خلق حاجة لدى المستهلك العربي للإعلام بضرورة الرد على هذه الانتهاكات , فتم احراق السفارة الدنماركية في كل من سوريا و لبنان .
وردود الفعل هذه لم تكن وليدة نفسها , ومن السذاجة اعتبارها غير مُدبرة و ومسيرة من طرف في الخفاء , فالنظام السوري سمح لهذه المظاهرات بالتأجج وكذلك اللبناني , و الإعلام العربي مدفوع الثمن تداول هذ الخبر باهتمام بالغ , ونحن نعلم أن هذا الإعلام العربي الخبيث يسمح بنشر الاخبار التي يكون من ورائها هدف معين , و يقوم أيضا بإخفاء الاخبار التي لا تخدم مسار الإعلام و هدفه .
فهذه القضية سيتم استغلالها لكي تكون حجر الاساس في اتفاقات مستقبلية و توقيع معاهدات و مواثيق تمنع التعرض للديانات الأخرى , والمنهج الأمريكي ماض في ذلك و جاد , ويسعى إلى تغيير المناهج الاسلامية في الدول العربية التي تدعوا الى جهاد الكافر و ضرورة محاربة يهود .
هذه القضية هي أمر دُبر بليل على الأغلب , ومن المتوقع أن يتم رفعها الى الأمم المتحدة و تحويلها الى معاهدة تمنع التعرض الى الديانات السماوية و تُذكي الدعوة الى حوار الحضارات و الأديان , ويتم تغيير المناهج التي تدعوا بشكل مباشر او غير مباشر لقتال الكافر و الدعوة الى الاسلام كخاتم للأديان .
فعلى سبيل المثال الآيات التالية ستكون عرضة للنقاش لأنها تتعارض مع مسألة حوار الأديان و عدم التعرض لها ومنها :
( فَقَاتِلُواْ أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لاَ أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنتَهُونَ )
( فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالآخِرَةِ وَمَن يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيُقْتَلْ أَو يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا)
( قَاتِلُواْ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ )
( وَقَاتِلُواْ الْمُشْرِكِينَ كَآفَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَآفَّةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ )
( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللّهِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِين )
( الَّذِينَ آمَنُواْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُواْ أَوْلِيَاء الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا )
( إِنْ خِفْتُمْ أَن يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُواْ لَكُمْ عَدُوًّا مُّبِينًا )
( لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَآلُواْ إِنَّ اللّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ )
( َلقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَـهٍ إِلاَّ إِلَـهٌ وَاحِدٌ )
وغيرها كثير من الآيات التي تدعوا الى قتال الكفار و دعوتهم الى الاسلام .
لذا هذه القضية لم يكُن من ورائها إلا خطط خبيثة يُراد بها السوء للإسلام و المسلمين في المستقبل القريب .
وأيضا توجيه الغضب لدى المسلمين على دول أخرى مثل الدنمارك و النرويج سيخفف الحملة و الغضب الدفين على الحكومة الامريكية و خليلاتها من بريطانيا و اسرائيل .
وهنا نقطة مهمة أن التطاول الدنماركي كان جراء صحفي حاقد من صحافة لم نسمع عنها قبل اليوم , مع أن الصحف العالمية المشهورة مليئة بالقدف و التطاول على الدين الإسلامي , لذا وجب على المسلمين دراسة واقع و حيثيات هذه القضية و تطوراتها الملفتة , فالخبث الاستعماري يستغل اي حادثة من أجل ضرب المسلمين و تحقيق المصالح الشخصية .
فمسالة السودان معروفة , حيث تم استغلال مشاجرة قبلية في دارفور على الموارد على الارض الى حرب أهلية راح ضحيتها مليوني مشرد , ولا ننسى أن الحرب اللبنانية بدأت بسبب حافلة كان يرتادها بعض المسلمين من فلسطين الذين تعرضوا الى وابل من الرصاص من قبل نصارى لبنان , فتم استغلال هذا الحدث وتحويله الى حرب أهلية كان نتاجها قتيل أو أكثر في كل بيت لبناني .
الدول الاستعمارية تستغل الفرص هذه إن لم تكن هي التي تصنعها من أجل الايقاع بالمسلمين و خلق اضطرابات تُضعف شوكتهم , و يجب على العرب و المسلمين أن ينظروا بنظرة مستنيرة للواقع وليس بنظرة سطحية للأحداث حتى لا تكون الغلبة للكافرين من بعدهم .
يقول الله تعالى :
( وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ )
ايهاب ابوالعون .