بسم الله الرّحمن الرّحيم
أمّا بعد:
قد كنت كتبت هذ الكلمات كرد سريع على أحد المقالات المهمّة في هذا الباب من الواحة حول خصوصية اللغة العربية, و بسبب ما فيه من فوائد رأيت من الأنسب جعله مقالا منفردا.
جاء فيه ما يلي:
أهم خاصّية أنها لغة القرآن
فبها أنزل الله كلامه وهذا يترتب عنه أشياء عدّة
تطوير اللغة إنطلاقا من النصوص القرآنية من أساليب و قواعد و غيرها و هذا ما لم يتأتّى للغة غيرها و تأثر نصوص الكتّاب و الشّعراء بها حيث نجد مثلا أنّ أشعار من تربّى في الإسلام أقوى وأبلغ من شعر غيرهم
فيه دلالة على قوة اللغة العربية على احتواء كل العلوم كيف و قد حوت علوم الدين بأسره, عكس ما يروّج له
و من خصائصها العجيبة ثباتها عبر الزّمن و يتجلّى ذلك في فهم المعاصرين للنّصوص القديمة و بالخصوص أحاديثه صلّى الله عليه و الكثير من كتب العلماء كابن القيّم مثلا و انظر إلى كتاب الجواب الكافي
و هذا بسبب حفظ الدّين أولا فحفظ الدّين من حفظ اللغة العربية كون أصلِ هذا الدّين كلام الله الذي يُتعبّد به و لا يجوز أن يكون التّعبّد بغيره و الصّلاة عماد الدّين فإذا ضاعت اللغة ضاع الدّين و هذا يبيّن سبب تكالب الغرب على اللغة العربية و محاولة إبعاد المسلمين عنها فما لا يتمّ الواجب إلا به فهو واجب
هي اللغة الوحيدة التي فيها نصوص كاملة لا تقبل النّقد و التّغيير لا من جانب المبنى و لا من جانب المعنى إطلاقا و باقي اللغات كل نصوصها واجبة النّقد دون استثناء و هذا مما يحسدنا علية أدباء الغرب فيحاولون جعل النّصوص القرآنية نصوصا أثرية و من الفنون القديمة في أحسن أحوالهم و منهم من يجعلها من دون ذلك بكثير فإذا لم تستطع مواجهة شيء فحاول أن تُنزل صورته عند الناس أو الجهلة و تَصرف أنظارهم عن بريقه.
مقاومتها للإستعمار أكثر من أي لغة و هذا من ثباتها و من كراماتها فمثلا الجزائر لا تزال فيها قائمة بعد مكوث الإحتلال الفرنسي فيها أكثر من قرن و ثلاثين سنة و هذا ما كان ليتسنّى للغة أخرى, وهذا يدلّ على أنّها مؤيّدة من عند الخالق حتّى يحفظ هذا الدّين.
فهي لغة لا تتأثّر بالأحداث و الأزمان إلاّ يسيرا بسبب مخالطة العجم و غيرها من العوارض و لا تزال النّصوص الأصلية موجودة من آيات قرآنية و أحاديث وهي أهم مراجع اللغة العربية ضف إلى ذلك مؤلّفات النّحويين منذ أكثر من عشرة قرون فإذا سلمت المراجع بقيت اللّغة و سهل العودة إليها.
و من ثباتها أنّها لا تتأثّر بتطوّر العلوم كغيرها من اللغات الأخرى إلا بما يصلح لخصوصيات الفن خلافا للّغات الأخرى التي تتطلّب تكييفا عميقا باستمرار و تبسيطا ملحوظا على غرار الإنجليزية, فالعربية يمكن أن تكتب بها ما تريد من علوم و لو بلغة ابن حجر و ابن تيمية فانظر إلى كتاب إبن سينا وكتاب الطب النبوي في الطبّ و مقدمة إبن خلدون في علم الاجتماع و غيرهم بأي بلاغة كتبت و هذا من خصائصها, ونجد في الأنجليزية تقسيما ليس في غيرها بين لغة تقنية و لغة أدبية و لغة تجارية كفروع تُدرس للمتخصّصين و ما هذا إلا لقصورها عن احتواء جميع العلوم بلغة واحدة متفرّدة و هذا من ضعفها و ليس من قوّتها و هو ما لا يوجد في سائر اللغات كونها لم تتمكن من استدراك هذا العجز بسبب غلبتها عليهم و اختصارا للوقت و الجهد و المال حيث تُدْرَسُ العلوم المتطورة و البحوث بها ـ الإنجليزية, ليس بسبب مدّة التّرجمة و لكن بسبب عدم تفريعها الذي يحتاج وقتا و جهدا كبيرين و بسبب عجزها عن احتواء العلوم على حالتها الأصلية. و يتسّنى حينئذ للعربية دراسة مختلف البحوث و العلوم دون الحاجة إلى تفريعها و هذا ما قصّرنا فيه كثيرا.
و من ثباتها العجيب ثبات مخارج و صفات حروفها بدقّة عجيبة حيث يمكن للمرء من وقتنا هذا نطق الحروف مثل العرب الأقحاح و ما هذا إلا لحفظ هذا الدّين العظيم,
يعني حتّى النّطق طاله ثباتها و صمودها بصورة لا مثيل لها حتى ليُفرّق بين الظاء و الضاد.
هي أقل اللغات استعمالا للحروف على الأطلاق و ما ذلك إلا لوجود التّشكيل الذي يعد من خصائصها فقولنا "فَ" يحتاج في لغة أخرى إلى حرف إضافي على الأقل (FA) و هذا من قلّة تكاليفها و هو من باب استعمال أقل الموارد لأكبر الفوائد و هي تحمد عليه ضف إليه جوامع الكلم يعني كتاب بالإنجليزية يكمن أن يترجم إلى أقل من ذلك كتابة (قلّة الحروف) و قراءة (الإيجاز).
والله تعالى أعلم.