أحدث المشاركات
النتائج 1 إلى 5 من 5

الموضوع: الحارس الليلي

  1. #1
    الصورة الرمزية محمد نديم شاعر
    تاريخ التسجيل : Jul 2006
    المشاركات : 925
    المواضيع : 190
    الردود : 925
    المعدل اليومي : 0.14

    افتراضي الحارس الليلي

    نزواتنا التي نقترفها ونحن في ربيع شبابنا ، هل هي بذور الشيطان، نغرسها في درب العمر ،لنحصدها شرا مستطيرا فيما بعد ؟
    &&&&
    عشرون عاما مرت، وهو في مكانه، تحت الدرج، كحارس للمؤسسة الكبيرة في العاصمة الصاخبة.لم تكن حياته تسير على ما يرام ويشتهي، فمنغصاتها زادت بازدياد أعباء أسرة كبيرة ،وزوجة جل عملها هو الحمل والولادة، فتراكمت عليه الديون، وصار رمزا مكروها للاستدانة، وإراقة ماء الوجه بين زملائه وباقي الموظفين.
    تذكر أيام شبابه حين عين للمرة الأولى كحارس ليلي، لبناية الموظفات الشابات المغتربات، المعينات حديثا في ذات المؤسسة.
    تسعة أشهر قضاها في حراسة تلك البناية، كان فيها في أوج فتوة الشباب واندفاعه، ولم تخل تلك الفترة من مغامرات، ما زالت ذكرياتها تطن في وجدانه.لكن سرعان ما تم نقله إلى المقر الرئيس للمؤسسة، كحارس على بواباتها، بشكوى من إحدى الموظفات ، تتهمه فيها بقلة الأدب والتحرش بالفتيات، فاكتفوا بنقله شفقة على حاله.
    &&&&
    عشرون عاما ، مرت،وهو تحت الدرج، يفتح باب المصعد ، ويغلقه للصاعدين والهابطين . موظفون كثر تتابعوا عليه ومروا به. غاب الكثيرون ، وظهر أخرون. نقل البعض ، وجيء بالبعض، وهو هو ؛لم تزد حياته عن اجترار لحظات مغامراته، ومعاشرة صقيع حياته التي طالت ولم تثمر سوى عن قطيع من العيال يربو عددهم عن نصف دستة. وهموم متعلقة بكل احتياجاتهم ومطالبهم.
    ضاقت به الحياة، لتراكم مسئولياتها على رأسه.ورأى في نفسه تجسيدا للفشل المهني والأسري، فلم ينجح في تخريج ابن أو ابنه من تعليم محترم، ولم يفلح في ادخار شيء يعينه على مرض، أو زواج ابنة له ، وهو في بدايات عهد شيخوخة، يسير نحوه سيرا حثيثا.
    .&&&&
    كان صدره يضيق لحاله وحال الدنيا من حوله، حتى وأنه فكر في الهروب إلى أرض لا يعرفه فيها أحد .وقد أمسى عصبي المزاج، كثير التذمر، وإثارة المشكلات، والشجار مع كثير من زملائه والمحيطين به ، وزبائن وعملاء المؤسسة، ناهيك عن مشكلاته في بيته مع أهله وعياله.
    وعرف عنه أنه يضيع ما يكسبه على تدخين الحشيش. حتى أصبحت مطالبه منه في أولويات حساباته ، وتراجعت مطالب بيته وعياله خلف نداءات شهوته للمخدرات.
    ولم يعد أحد من زملائه وأصحابه ورفاق المقهى، يعبأ بحاجته وإلحاحه في الاستدانة منهم. فتفرق عنه جمع الصحبة والأصدقاء.
    &&&&
    عول كثيرا على طلب كتابي، قدمها للسيد المدير ليشفع له بسلفة مالية عاجلة، غير أن الطلب رفض رفضا قاطعا، وذلك لتكرار اقتراضه لأكثر من مرة خلال عام واحد، الأمر الذي يخالف اللوائح والقوانين المتبعة في هذا الشأن،
    كما كان من الصعب والحال هكذا، سداد أقساط القرض من راتبه المهلهل..غير أنه لم ييأس، وقدم طلبا كتابيا آخر لكن الطلب هذه المرة، تأخر اعتماده، لظروف انتقال السيد المدير إلى منصب أعلي، فتعطلت جميع المكاتبات الرسمية على مكتبه، لحين استلام المدير الجديد، المزمع ترقيته للمنصب الشاغر.
    وأعاد السكرتير له طلبه الكتابي، ناصحا إياه بالاحتفاظ به لحين تحسن الأحوال.
    كانت أعصابه تحترق انتظارا لمن يأتي كمسئول جديد، كي يوقع على طلبه الكتابي الذي يشرح فيه ظروفه التعيسة.
    &&&&
    ضجت المؤسسة وساد الهرج والمرح، إذ أن المدير الجديد قد أقبل في كوكبة من معاونيه وسكرتاريته الجديدة. احتشد الموظفون والسعادة والمعاونون وحراس المؤسسة، في قاعة التشريفات ، ترحيبا بالمسئول الجديد.
    كانت هي على المنصة، أربعينية جميلة، متصابية ؛تلقي كلمتها على موظفي المؤسسة الكبيرة، حين وقع بصره عليها، عرفها ، ولم يمنعه هيلمانها وسلطانها
    من إدراك أنها هي .. نعم هي .. ، بجمالها الذي لم تغير فيه السنون كثيرا، غير أنها قد سمنت بعض الشيء ، وهذه نبرة صوتها الأنثوي التي يألفها ، إلا أنها قد خالطها شيء من الجدية والوقار. ومن الواضح أن صبغات الشعر قد كست بعض خيوط الشيب التي بدت هنا وهناك في جنبات رأسها.نعم هي .. ذات العيون الجذابة المثيرة الرهيبة ..يكاد يجزم في نفسه ، بأنها حين التقت بعينيه وسط هذا الحشد الكبير ، بأنها قد عرفته .. بل وارتبك حديثها وتلعثم نطقها .. وأنهت كلمتها .. واندفعت نحو غرفة مكتبها يلحقها فريق من معانيها ومنافقيها.
    شهق قلبه ، لا يدري فرحا أم سخرية ، أم شماتة، أم عجزا،أم دهشة.
    مشاعر كثيرة مختلطة انتابته، حتى كاد أن يصرخ بها أمام ذاك الحشد الكبير،
    " أتدرون تلك المسئولة الكبيرة التي تنحنون أمامها نفاقا أو تبجيلا، أنا أعرف
    ألوان ملابسها الداخلية،بل وتفاصيل التفاصيل في ثنيات جسدها المثير.
    فكم قضيت في أحضاني ليال ساخنة. اندفعنا فيها بنزق الشباب وشبقه. ورشفنا معا من كأس المتعة المحرمة. وبذلنا معا همسات الحب الحرام، وتأوهات اللذة المؤثمة،نعم ،فوق سريرها ،وفي غرفتها في تلك البناية الحكومية لسكن الموظفات المغتربات.حين كانت تستدعيني كحارس للعقار، مستنجدة بي لإصلاح ما تعطل من تيار الكهرباء، أو صنابير الماء. ولم تكن تعدم حيلة ولا أسلوبا في جري إلى شقتها في غياب زميلتها رفيقة سكنها. ورويدا رويدا .. غمرتني بسيطرتها ،فغرقنا معا في بئر الخطيئة.
    كانت الصرخات تشتغل في صدره، فيكتمها ..
    "أيتها الحمير التي تنهق ترحيبا بها، إنها غانية .. نعم غانية."
    &&&&
    حين تم القبض عليه وفي يده سكين تقطر دما، لم يحاول المقاومة، بل استسلم لقيود الشرطة وعلى وجهه ابتسامة صفراء باهتة.
    وكان التقرير الرسمي يؤكد تهجم العامل المذكور على المديرة المسئولة،وانهال عليها طعنا بسلاح أبيض ، بعد أن رفضت رفضا قاطعا، طلبه الكتابي بالموافقة على سلفة مالية عاجلة، لمخالفته للوائح والقوانين.وتم نقل جثة القتيلة إلى المشرحة ،لمعرفة أسباب الوفاة.

  2. #2
    مشرفة عامة
    أديبة

    تاريخ التسجيل : Aug 2012
    المشاركات : 21,289
    المواضيع : 321
    الردود : 21289
    المعدل اليومي : 4.93

    افتراضي

    هيأ له تفكيره أن مشكلته قد حلت وأنه أكيد سيحصل على السلفة التي قد تحل
    مشاكله المادية عندما رأى مديرته الجديدة وتعرف عليها فقد كانت خليلته أيام كانت
    موظفة صغيرة وكان هو الحارس لسكن الموظفات المغتربات. ورشفا معا من كأس المتعة المحرمة
    شهق قلبه فرحا ودهشة ظنا منه أن خليلة الأمس ستظل ذاكرة لما كان بينهما، ولم يحسب حساب
    أن مثل تلك المرأة التي استطاعت أن تصل إلى اعلى المناصب بأساليبها الملتوية اللعوب لن تعيره
    أي اهتمام أو توافق على إعطائه تلك السلفة المخالفة للقوانين.
    طار لبه .. فقتلها ـــ فكان هذا حصاد بذور الشيطان التي غرست في ربيع شبابهم ليحصدوها
    شرا مستطيرا في نهاية العمر.
    قصة قاسية بنكهة الواقع أجدت انتقاء رموزها وحبك فكرتها ببناء متين وسرد شائق
    وقفلة مباغتة ملفتة.
    دام نبض وألق قلمك
    .نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعينقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعينقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  3. #3
    الصورة الرمزية محمد نديم شاعر
    تاريخ التسجيل : Jul 2006
    المشاركات : 925
    المواضيع : 190
    الردود : 925
    المعدل اليومي : 0.14

    افتراضي

    أ. نادية الجابي..
    أهلا بحضورك البهي، وقرائتك الناقدة الواعية. نعم إنها بذور ربما قد نسيا أنهما قد غرساها يوما ما، لكن حصادها كان حتميا و موجعا.
    القصة فيها جوانب واقعية حقيقية بالفعل، لكن النهاية ربما تكون خيالية.
    دائما أسعد بتفاعلك الجميل.
    تحياتي وودي.

  4. #4
    قلم فعال
    تاريخ التسجيل : Nov 2019
    المشاركات : 3,535
    المواضيع : 249
    الردود : 3535
    المعدل اليومي : 2.14

    افتراضي

    أبدعت بلغة أدبية سهلة وبقص شائق وبأسلوب سردي قائم على الوصف الدقيق والسرد المتدفق
    أن تقدم نص هادف بأداء ملفت لقصة محكمة الفكرة ، متقنة الحبك وتحمل رسالة.
    دام بريق قلمك.

  5. #5