هي شجرة شاهدة على ماض جميل و محزن...
كانت تحضن المجاهدين زمن الثورة التحريرية المباركة ،يفترشون ظلها للإستراحة أو للتشاور لأمر يخص مسيرة الثورة...
بُعيْد الإستقلال ،لما كانت الشمس تشتد حرارتها يهرع إليها الحصادون،يضعون مناجلهم جنبها و يتحلقون حول أباريق تلمع محاطة بكؤوس شفافة،و إلى جانبها صحون مغطاة بمناديل نظيفة...وقتها كنت و أنا طفل أركض داخل الحقول و كلبي خلفي فتغمرنا السنابل...تشير إلي أمي لتناولني قطعة "مطلوع" بين طبقتيها زبدة أو جبن من صنع يديها...أقضم قطعة و أرمي لكلبي أخرى،أعود للركض و كلبي يسابقني ،ثم أستريح لأقضم ثانية ،يعود إلي يهز ذيله و يتمسح بي فأناوله أخرى...أعود إلى الخيمة أطلب قطعة أخرى من أمي التي لا أكاد أراها خلف الخيوط البيضاء العمودية ...تضع " الخلالة " لتلبي طلبي و هي تقول: انت كرشك كبيرة! فأرد عليها : لقد إقتسمته مع رفيقي!،ثم تعود إلى منسجها .
و بعيد...بعيد الاستقلال،أصبح يلتقي عندها العشاق خلسة كلما حانت الفرصة ...وبعد كل لقاء ينقشون قلبا أصابه سهم فأدماه...
و بُعيْد...بعيد....بعيد الاستقلال،بات يستند على جدعها من قهرتهم الحياة و همشتهم المدينة يرتشفون كؤوس الخمرة و من سجائرهم ينفثون دخان يتصاعد إلى أوراقها...فتضطرب الشجرة انزعاجا و تذمرا ...
و مع ذلك فالشجرة يتسع قلبها للجميع و تُؤنس كل من يستأنس بها.