الرؤيا
....
..
من لَهْفَتَينِ، ولَمْ يَخْمدْ بِيَ اللَّهَبُ
شَوْقِي الشّرَارُ، وروحِي الزَّيْتُ والحَطَبُ
عينايَ، في البُعدِ، تَنّورانِ مِنْ وَلَهٍ
أبْكي، وتهطِلُ مِنْ جَفْنَيْهِمَا شُهُبُ
أفْرَغْتُ جوهر ذاتي، وامتلأتُ بِمَنْ
أَفْنى وجودي وَجِيبا؛ فاسْتوى الوَصَبُ
عشرونَ مرّت على الرؤيا، ووالِدَتي
لو مرَّ يومٌ ولَمْ تُبْصِرْه؛ تَنْتَحِبُ
عَقْدانِ يا ربّ، والأنفاسُ أسئلةٌ
والوقتُ فيضُ جوابٍ شابَهُ الرِّيَبُ
جَهِلتُ – في الحُلْمِ - طفلًا؛ قدرَ حضرته
وكانَ شيخا مهيبا، عينُه الحدَبُ
تأمّلَتهُ الحنايا وهْوَ يُلهِمُها
ليطمئنَ الذي في الصَّدْرِ يضطربُ
نادى بُنَيَّ فلبّاهُ الفؤادُ.. أبي
وغيَّبتني بهِ عيناهُ، وهْو أبُ
مُجللٌ بكمالِ اللَّهِ، بَسْمَتُهُ
عَيْنُ النعيمِ التي في الخُلْدِ تُرتقَبُ
من فرطِ هيبتهِ استيقظتُ في هوسٍ
ورعشةٍ من فؤادي ليسَ تنسحبُ
ظمئتُ أعرفُ يا اللهُ مكرمةً
لأي فَرْعٍ مِنَ السِّبْطَينِ أنْتَسِبُ
قلبي يبابٌ، إذا مرّت خطاه بهِ
لطفًا؛ سيُعْشِب من أقدامِه الجَدَبُ
منِ اسْمُهُ فوقَ ساقِ العرشِ مِن أزَلٍ
قد خَطَّهُ النُّورُ بالإجْلالِ، لا الذَّهَبُ
أَفِرُّ مِنّي إلى مَعنى حَقيقتهِ
فرّاً إلى الله لا يقصينيَ الهَرَبُ
أعوذُ بالصِّدقِ مِنْ أَنْ أدَّعي لهَفِي
لا يغفرُ الحُبُّ للعُشّاقِ إنْ كَذَبوا
فَلْتَخْشَعي يا حروفي؛ وانحني أدبا
فَللجَلالَة يَحْنِي رَأْسَهُ الأدَبُ
كَمْ كلَّم اللهُ موسى، والحجابُ سَنًا
وكلَّمَ المصطفى مِنْ حَيثُ لا حُجُبُ
ما غيرُه - وهْو فردٌ - في الورى بشرٌ
لسدرةِ المُنْتَهى ما زال يَنْتَسِبُ
لا يُطْفِئُ النَّارَ إلا نُورُ طَلْعَتِهِ
فَوَجْهُهُ بِسَنا الرحمن مُختَضِبُ
يا ابنَ الذَّبيحَيْنِ، لا يُدني الكريم سوى
مَن مِن عُلَاكَ -بنبضِ الحُبِّ- يقتربُ
ولهانَ جئتكَ، في فقري؛ فخُذْ بيَدي
يا خيرَ كنزٍ إذا أهلُ الغِنى كَسَبوا
لا غربةٌ لي بأرض الله.. يا وطني
إن الغريبَ بها من عَنكَ يَغتربُ
لي نخلةٌ في فُؤادي أنت غارسُها
عرجونُها اسمك، واسْتِذكارُكَ الرطب
إنْ أسألِ اللهَ فِردوسَاً بأدعِيَتي
فنورُ وجْهِكَ يا فِرْدوسِيَ الطَّلَبُ
أدْعو، لعلَّ على رُؤْياكَ خَاتِمَتِي والبَعْثَ
يا مَالئاً مَنْ مِنهمو نَضَبوا
ناشِدتكَ الله! عُدْنِي كادَ يُهلكني
فيكَ الخيالُ، ويُودي بالهوى السَّبَبُ
يقتاتُ صبرُ فؤادي الجمرَ؛ مُرتجيا
بكَ اللقاءَ فيزوى من دمي السَّغَبُ
أحتاجُ عينَ أبي بكرٍ، أراك بِها
إن لم يكُنْ؛ فلتَمِضْ مِن خَيْلِك الهُدُبُ
لو ينبغي لكَ شعرٌ، فالمدى شُعَرا
وأحْرُفِي دَمْعُ مَن أشواقَهُمْ سَكبوا
أمُوتُكَ الآنَ أَمْ أحْيَاكَ؟
لا نَفَسٌ إلا لسِرّكَ في الأشْيَاءِ ينجذبُ
فالعفوَ يا سيّدي؛ صفحا إذا شطحت
روحي وباحت بما قد كُنْتُ أحتجبُ
أمْلَيْتَني فِيكَ ما لَمْ يُمْلَ من أحَدٍ
وثابتٌ، ليسَ عَنْكَ القَلْبُ ينقلبُ
ما لي بغيركَ مِنْ وادٍ أهيمُ بِهِ
والصَّمْتُ أقومُ قيلاً فِيكَ، لا الخُطَبُ
فاشفَع لفُصحايَ إن زَلّت ودارجتي
أمامَ نجمكَ تخبو شمسُ من كتبوا
صلى عليكَ الذي سَوّاك صورَتَهُ
حتى اسْتَوَيتَ على المَعْنى كمَا يَجِبُ
..
.