سادساً وأخيراً: القوالب الخضراء الطول في بحر الطويل:
مع أنّ القوالب الخضراء الطول تنقسم نظرياً إلى قوالب خضراء مضمومة [9- 9]، وقوالب خضراء مفتوحة [9 – 8 أو العكس]. وأن أدنى طول مسموح النزول لعنده في كل بحر عربي، هو طول الأحمر المغلق تلقائياً (7 وحدات)؛ لكن قاطع بحر الطويل الذي لا يجب النزول دونه هو طول الأخضر وليس طول الأصفر ولا طول الأحمر.
- طويل أخضر (ت= 9): نعم، لا #، لا لا نعم [الجرس قنطرة تكافؤية النظام]
- سلسلة صفراء تتبع نظرياً لبحر الطويل، وليس تتبع له إيقاعياً (ت= 8): نعم، لا #، لا لا لا [الجرس سكة]
- سلسلة حمراء تتبع نظرياً لبحر الطويل، وليس تتبع له إيقاعياً (ت= 7): نعم، لا #، لا لا [الجرس وتر]
فإنه إذا نزلت سلسلة الطويل لطول الأصفر (8 وحدات)، فحينها سينمحق الكيان الإيقاعي الدال على بحر الطويل في السلسلة الصفراء، فلا تعود السلسلة الصفراء تتبع لبحر الطويل إيقاعياً. فبحر الطويل مؤلّف من نسق قنطرة متبوع بنسق فتلة مكرران بانتظام، والطويل كذلك يبتدئ من عند عُقدة قفل وليس من نسق مكتمل، أي ابتدئ اقتطاعه من دائرته من عند عقدة قفل. وحتى يحافظ الطويل على وجوده الإيقاعي في السلسلة، فيجب عليه أمران، الأول: المحافظة على الحد الأدنى لتكرار الأنساق المؤلفة له كما هي في دائرته، وهذا لا يتحقق إلّا عند طول الأخضر له. فالدائرة هي المرجع الكلّي لانتظام الإيقاع في الشعر العربي، على ما شرحنا في مقالات سابقة. والأمر الثاني: هو أن لا يشتبك قالب البحر إيقاعياً مع قوالب البحور الأخرى فيما لو تعارضا من جهة أولوية المرور إيقاعياً. فالمعول عليه في العروض العربي هو التبعية الإيقاعية للبحر وليس التبعية النظرية له. ثم أنّ العرب قد حرصت أشد الحرص على منع التداخل الإيقاعي بين البحور (ظن عازم). وقاطع البحر هو احد أدواتهم المهمة في تحقيق هذا الغرض؛ هذا الذي لم يوله الخليل أهمية في نظامه، وهو لن يستطيع ذلك حتى لو أراد، وذلك لعدة أسباب يأتي على رأسها طبيعة نظام الخليل القائم على فكرة الجزء الخاطئة.
فمثلاً: بحر المتقارب الذي يبتدئ من عند عقدة قفل أيضاً، هو صاحب أولوية المرور على بحر الطويل فيما لو تعارضا، فالمتقارب يتألف من نسق فتلة مكررة بانتظام. وهذا الكلام قد ناقشناه بعمق في الكتاب الأم لعروض قضاعة.
وبناءً على ذلك، فلا يوجد لتشكيل الأخضر في بحر الطول، سوى قوالب خضراء مضمومة فقط، وهو قالب وحيد فيها، وسيرتفع التعداد لقالبين عند إضافة تلوين السكون لجرس القنطرة في العجز.
أ) قوالب خضراء مضمومة في بحر الطويل:
بسبب ما ذكرناه آنفاً، فلا يوجد إلّا قالبين في هذا التشكيل الأخضر المضموم. احدهما بدون تلوين السكون، والأخر مع تلوين السكون.
1- الطويل ذو البيت الأخضر الحر. هكذا:
صدر وعجز معاً: نعم، لا #، لا لا نعم (ت= 9) [الجرس قنطرة تكافؤية النظام، ولها تلوين "حر" الذي يجمع كل خياراتها القانونية كما قلنا (متروكة- معقودة- مجدولة- مربوطة)]
2- الطويل ذو البيت الأخضر الحر والمسكون. هكذا:
صدر : نعم، لا #، لا لا نعم (ت= 9) [الجرس قنطرة تكافؤية النظام]
عجز : نعم، لا #، لا لا نعم 0 (ت= 9) [الجرس قنطرة تكافؤية النظام، ومضاف لها تلوين السكون]
ب) قوالب خضراء مفتوحة في بحر الطويل:
لا ينبغي صنع قوالب خضراء مفتوحة في بحر الطويل، فقاطع بحر الطويل الذي لا يجب النزول دونه هو طول الأخضر كما قلنا.
وهكذا نكون قد انتهينا من حصر جميع احتمالات القوالب الممكنة الصحيحة في بحر الطويل، أي جميع الاحتمالات المتوافقة مع شروط العرب في النظم على هذا البحر. أي التي يتيحها النظام العروضي العربي لبحر الطويل. وما عدا ذلك فهي ليست قوالب عربية تعود للطويل، حتى لو شابهت قوالب العرب في بعض التفاصيل.
استعارة:
يشترك نظام قضاعة ونظام الخليل بمصطلحَيّ الصدر والعجُز. لكن أهميتها في نظام قضاعة تفوق أهميتها في نظام الخليل؛ فهما يدخلان في تأليف جُمل الوصف في نظام قضاعة كما رأينا، بينما أنّ استخدامها في نظام الخليل هامشي، لكون أنّ جُمل نظامه، بل نظريته كلها؛ تقوم على فكرة الجزء، خاصة جزء العروضة وجزء الضرب، وكذلك على مفهوم التمام ومفهوم الـجَزء [المجزوء]. لكن هذين المصطلحين، خاصة مصطلح العَـجُز، ثقيل على لسان عرب هذا الزمان، وفوق ذلك هو متشابك إملائياً مع كلمة العَـجْز الكثيرة الدوران على اللسان.
فلو أننا استعرنا مصطلحَيّ العروضة والضرب من نظام الخليل، وحمّلناهما مفهوم الصدر والعجُز في نظام قضاعة، أي تصير العروضة دالة على سلسلة الشطر الأول من البيت، والضرب دالاً على سلسلة الشطر الثاني منه. وبحيث يؤديان وهما مـحمّلين بالمفهوم الجديد في جُمل نظام قضاعة؛ نفس الدور الذي أداه مصطلحَيّ الصدر والعجُز فيها. وبحيث يبقى مصطلحَيّ البيت والمشطور على حالهما دون تغيير. فلو فعلنا ذلك فأظن أنّ هذا سيكون أجود.
ولا تقلق على رواج هذا الاقتراح بسبب تأثير نظام الخليل على الأذهان؛ فما أنْ يهيمن عروض قضاعة على الساحة العروضية سيزول هذا التأثير. وإليك خمسة جمل مصاغة بهذين المصطلحين المستعارين من نظام الخليل، من تلك التي مرت معنا في هذا الموضوع.
1) جملة نظام قضاعة الحالية: الطويل ذو الصدر الدارع المعقود، والعجز الدارع المتروك. (طويل دارع: # قطيف)
o جملة نظام قضاعة المقترحة: الطويل ذو العروضة الدارعة المعقودة، والضرب الدارع المتروك.
جملة نظام الخليل: الطويل ذو العروضة التامة المقبوضة، ولها ضرب صحيح سالم
2) جملة نظام قضاعة الحالية: الطويل ذو الصدر الدارع المعقود، والعجز الفارع المتروك. (طويل دارع: # قطيف، طويل فارع: # خطوة)
o جملة نظام قضاعة المقترحة: الطويل ذو العروضة الدارعة المعقودة، والضرب الفارع المتروك.
جملة نظام الخليل: الطويل ذو العروضة التامة المقبوضة، ولها ضرب محذوف معتمَد.
3) جملة نظام قضاعة الحالية: الطويل ذو الصدر التام المتروك، والعجز التام المجدول والمسكون (طويل تام: # فتلة)
o جملة نظام قضاعة المقترحة: الطويل ذو العروضة التامة المتروكة، والضرب التام المجدول والمسكون.
جملة نظام الخليل: لم يثبته الخليل في نظامه، ولا مكان له فيه.