أنا منْ مات، ومنْ مات أنا لقي الموتَ كلانا مرتين
ما وجدتُ فيما قاله الشعراء أروع في وداع الأب وأدق تعبيراً عن كل ما يحيط بالحالة من مشاعر وأفكار مما قاله شوقي رحمه الله:
فى قصيدة تذكرتها اليوم فقط وعدت إليها بعد سنوات طويلة من قراءتها ، لكنها عودة مختلفة .. فهناك قرأت شوقي واليوم أقرؤنى .
سألوني : لمَ لم أرثِ أبى ؟
لأمير الشعراء أحمد شوقى
سأَلوني: لِمَ لَمْ أَرْثِ أَبي؟ ورِثاءُ الأَبِ دَيْنٌ أَيُّ دَيْنْ
أَيُّها اللُّوّامُ، ما أَظلمَكم! أينَ لي العقلُ الذي يسعد أينْ؟
يا أبي، ما أنتَ في ذا أولٌ كلُّ نفس للمنايا فرضُ عَيْنْ
هلكَتْ قبلك ناسٌ وقرَى ونَعى الناعون خيرَ الثقلين
غاية ُ المرءِ وإن طالَ المدى آخذٌ يأخذه بالأصغرين
وطبيبٌ يتولى عاجزاً نافضاً من طبَّه خفيْ حنين
إنَّ للموتِ يداً إن ضَرَبَتْ أَوشكَتْ تصْدعُ شملَ الفَرْقَدَيْنْ
تنفذ الجوَّ على عقبانه وتلاقي الليثَ بين الجبلين
وتحطُّ الفرخَ من أَيْكَته وتنال الببَّغا في المئتين
أنا منْ مات، ومنْ مات أنا لقي الموتَ كلانا مرتين
نحن كنا مهجة ً في بدنٍ ثم صِرْنا مُهجة ً في بَدَنَيْن
ثم عدنا مهجة في بدنٍ ثم نُلقى جُثَّة ً في كَفَنَيْن
ثم نَحيا في عليٍّ بعدَنا وبه نُبْعَثُ أُولى البَعْثتين
انظر الكونَ وقلْ في وصفه قل: هما الرحمة ُ في مَرْحَمتين
فقدا الجنة َ في إيجادنا ونَعمْنا منهما في جَنّتين
وهما العذرُ إذا ما أُغضِبَا وهما الصّفحُ لنا مُسْتَرْضَيَيْن
ليتَ شعري أيُّ حيٍّ لم يدن بالذي دَانا به مُبتدِئَيْن؟
ما أَبِي إلاَّ أَخٌ فارَقْتُه وأَماتَ الرُّسْلَ إلاَّ الوالدين
طالما قمنا إلى مائدة ٍ كانت الكسرة ُ فيها كسرتين
وشربنا من إناءٍ واحدٍ وغسلنا بعدَ ذا فيه اليدين
وتمشَّيْنا يَدي في يدِه من رآنا قال عنّا: أخوين
نظرَ الدهرُ إلينا نظرة ً سَوَّت الشرَّ فكانت نظرتين
يا أبي والموتُ كأسٌ مرة ٌ لا تذوقُ النفسُ منها مرتين
كيف كانت ساعة ٌ قضيتها كلُّ شيءٍ قبلَها أَو بعدُ هَيْن؟
أَشرِبْتَ الموت فيها جُرعة ً أَم شرِبْتَ الموتَ فيها جُرعتين؟
لا تَخَفْ بعدَكَ حُزناً أَو بُكاً جمدتْ منِّي ومنكَ اليومَ عين
أنت قد علمتني تركَ الأسى كلُّ زَيْنٍ مُنتهاه الموتُ شَيْن
ليت شعري: هل لنا أن نتلقي مَرّة ً، أَم ذا افتراقُ المَلَوَين؟
وإذا متُّ وأُودعتُ الثرى أَنلقَى حُفرة ً أَم حُفْرتين؟