كان الفن منذ القديم انعكاسا للتجربة الإنسانية ، حيث يلتقط مشاعرنا وأفكارنا وأحاسيسنا العميقة وإعجابنا وإحباطنا ودهشتنا من الأشياء..ثم يحوّلها إلى عمل نلمسه ونراه أو نسمعه . ونحن هنا نتحدث عن جميع الأنواع الفنية كالموسيقى والرقص والرسم ..إلخ والتي يوفر كل شكل فني منها قناة فريدة للأفراد للتعبير عن إبداعهم واستكشاف أعماق النفس البشرية .
وبما أنّ الموسيقى هي أشهر هذه الأنواع فقد تكوّنت حولها مفاهيم وصور نمطية تُلصِق بها تهمة تعزيز الانحراف أو السببية في الانحراف ؛ حتى صرنا نسمع مزاعم غريبة كمثل " الفنانون منحرفون بطبيعتهم " ومثل " الموسيقى هي بريد الزنا " وغير ذلك من الادّعاءات الفارغة التي لا أساس لها .
إنّ الانحراف هو ظاهرة معقدة تتأثر بالعديد من العوامل الفردية والاجتماعية والاقتصادية وتأثير الأقران ،ولا توجد أي علاقة سببية مباشرة بين الموسيقى والوقوع في براثن الانحراف...لأننا اذا افترضنا وجود هذه الرابطة بينهما فسنقع في تعميم ساذج ومتسرع مفاده " كلما استمعنا إلى الموسيقى وقعنا في الانحراف " أو " كل من يستمعون الموسيقى هم منحرفون " وهو عكس الواقع ، لأنّ كثيرا من الموسيقيين وسامعي الموسيقى أناس بعيدون عن الانحراف بل ويحاربون الانحراف بأغانيهم.
كما أنّ الانحراف يمكن أن يوجد في مجالات أخرى بعيدا عن الموسيقى ، حيث يكون المنحرف صاحب مهنة أخرى لا علاقة لها بالفن.
فالمختصر: كلّ منحرف هو خاضع لعوامل اجتماعية واقتصادية وعاطفية قذفت به في دوامة الرذيلة ، ويبقى الفنّ شيئا نبيلا وبريئا من كل هذه الادّعاءات ، وإذا حصل أي اقتران بين الموسيقى ومظاهر الانحراف فهو محض صدفة .