|
أخيراً ياأخي تيتو التقينَـا |
على سُرُرِ الْهَنَا بعدَ ارْتِحَالِ |
أخيراً في جِنانِ الخُلْدِ ذُقْنَـا |
معاً يا صاحبي طعمَ الوصالِ |
أتذكرُ ياأخي يومَ افْتَرَقْنَـا |
وقدْ مُدَّتْ إلى الأُخْرَى حِبَالِي |
تسيلُ دموعُكَ الحرّى رُخَاءً |
يُرَوّي فيضُهَا وجهَ الرِّمالِ |
حملتَ أُخَيَّ منْ فَقْدِي شجوناً |
تنوءُ بِحِمْلِهَا صمُّ الجِبَالِ |
تعدُّ العمرَ منْ بعدِي وتحصي |
بقلبٍ واثقٍ مَرَّ الليالي |
وبالدنيا أراكَ تضيقُ ذرعاً |
وتنبذُ حلوَهَا بعدَ اغْتِيَالي |
تتوقُ إلى اللقاءِ بظلِّ عرشٍ |
وجناتٍ مُمَدَّدَةَ الظِّلالِ |
تأمّلْ ياأَخِي كيفَ ارتقينَـا |
على شرفِ البطولةِ والنِّضَالِ |
تَذَكَّرْ يا حبيبي ْكيفَ كُنَّا |
نروحُ ونغتدِي بينَ التِّلالِ |
تدوسُ نعالُنَا هامَ الأَعادِي |
وأَعْيُنُنَا ترومُ سنَا الهِلالِ |
وهِمَّتُنَا تفوقُ ذرى الثُّرَيَّا |
وأنفسنَا تجدُّ إلى المعالي |
نَدُبُّ على الحَصَى في الأرضِ هَوْناً |
ونقدحُ باللظى عندَ النِّزَالِ |
نميلُ معَ النسائمِ إذْ تهادتْ |
وفي الهيجاءِ نشمخُ كالجبالِ |
نرومُ العِزَّ في جناتِ ربِّي |
(ومنْ طلبَ العُلا سَهِرَ الليالي) |
ومنْ رامَ الورودَ فثمَّ شوكٌ |
ومنْ عشقَ الخلودَ فلا يُبَالِي |
هُنَا العيشُ الرغيدُ لمنْ تَرَبَّى |
على نورِ الهُدَى رغمَ الضَّلالِ |
جنانٌ تحتَها الأنهارُ تجري |
وحوضٌ فاضَ بالماء الزلالِ |
وفيها مايَلذُّ لكلِّ نفسٍ |
ومايَرْبُو على شطَطِ الخَيالِ |
وأترابٌ كواعبُ مُنْشَآتٌ |
تَرَى فيهنَّ آياتِ الجَمَالِ |
عشقتَ الحورَ ياخِلِّي فجاءَت ْ |
بكَ الأشواقُ تنشطُ في ابْتِهَالِ |
فما غربتْ عليكَ الشمسُ إلاَّ |
وقدْ أمسيتَ مُتّكئاً حِيَالِي |
تُذّكّرُنِي الصِّبَا وربيعَ عمرٍ |
تذكرنِي بأيامِي الخوالِي |
توارى الدهرُ والدنيا ولَكِنْ |
تظلُّ حلاوةُ الذكرَى بِبَالِي |
تذكرنِي الحياةَ وكيفَ كُنَّا |
معاً نمشِي على دَرْبِ النِّضَالِ |
تذكرني الخطوبَ وقدْ توالتْ |
كأنَّ كروبَهَا سودُ الليَالِي |
ترى الأيامَ تَرْشُقُنَا بِنَبْلٍ |
وأرماحٍ مُثَقَّفَة النِّصَالِ |
فَكُنَّا في الخطوبِ رجالَ صِدْق ٍ |
وفي البأْسَاءِ أُسْداً لا نُبَالِي |
يزلزلُنَا العدوُّ بكلِّ بطشٍ |
ودونَ مَرَامِهِ صدْعُ القِلالِ |
ودونَ عقيدةِ الإسلامِ جيلٌ |
شديدُ البأْسِ محمودُ الخِلالِ |
نفوسٌ إنْ دعاهَا الحقُّ لَبَّتْ |
ومالتْ بالسيوفِ إلى القتالِ |
تَدُكُّ بعاصفِ القَسَّامِ ظُلْماً |
وتَهْوِي بالأَكُفِّ علَى القَذَالِ |
تذكرْ ياأَخِي والعيشُ بؤْسٌ |
وحسبُ المرءِ بؤْسَ الإحْتِلالِ |
تذكرْ ياأَخِي جوْرَ الأعادِي |
وظلمَ الأقربينَ بالاعْتِقَالِ |
عرفْتُكَ كالجِبَالِ الشّمِّ تسمُو |
وفيكَ العِزُّ منْ أَسْمَى الخِصَالِ |
يناديكَ الأَبُ الحانِي بِودٍّ |
تَحَنّنْ يابُنَيَّ علَى العِيَالِ |
كَفَاكَ منَ المصائبِ ما رأيْنَا |
وَعُدْ فالموتُ مَشْرُوعَ النّبَالِ |
ولكنْ منْ يَرَ الدنيا حُطَاماً |
وأقذاراً تُفَرَّكُ بالنِّعَالِ |
فلا يأْسَى على الدنيا ويَمْضِي |
إلى وجهِ المهيمنِ ذي الجلالِ |
تقولُ: أَبِي تَمَهلْ واحتسبنِي |
شهيداً إِنَّ دينَ اللهِ غَالِ |
وسلْ ربَّ البريةِ لي فلاحاً |
بأَنْ يغدُو لجنتهِ مَآلِي |
أبي قدْ شاقَنِي خِلِّي وإِنِّي |
لأصبُو في الجنانِ إلى الوصالِ |
هنيئاً ياأَخِي تيتو هنيئاً |
هنيئاً فالقلوبُ على اتِّصَالِ |
هنيئاً ياأَخِي فاليوم عيدٌ |
فعندَ لقائِكمْ بدأَ احتفالِي |
أُحِبّكَ ياأُخَيَّ بكلِ نبضٍ |
يفيضُ حنانُهُ عددَ الرِّمَالِ |
تلاقيْنَا أُخَيّ ولا فراقٌ |
لقاءَ الخالدينَ بلا ارْتِحَالِ |
نُنَعّمُ بالخلودِ وما اشتهيْنَا |
ونَنْعُمُ بالحياةِ بلا اعْتِلالِ |
فيا روحَ القعيدِ إليكِ عَنَّا |
ويا روحَ الفَتَى هيَّا تَعَالِي |
فلا يَرنُو إلى العلياءِ غُمْرٌ |
ولايطأُ الذُّرَى غيرُ الرِّجَالِ |