( 1) محمد عبد الله الهادي
يُقيم حلقة ذكر " علي شرف الفقيدة .. .. !
رؤية نقدية بقلم / مجدي محمود جعفر
محمد عبد الله الهادي .. أحد أبناء جزيرة مطاوع بفاقوس .. تلك المدينة العريقة ..
** وعندما نذكر فاقوس ، نتذكر علي التو ابن قرية ( البيروم ) ، يوسف إدريس ، الذي جعل من فن القصة القصيرة فناً مصرياً عربياً عالمياً .
ونذكر أيضاً من أبناء تلك المدينة ( ميرال الطحاوى ) التي شُرقَّت أعمالها وغُربَّت لترتفع راية القصة خفاقة من فاقوس علي أرض الوطن ، وتقدم لنا جيلاً وراء جيل ، من يوسف إدريس إلي محمد عبد الله الهادي إلي ميرال الطحاوى ومحمد الحديدي ومحمود أحمد علي ، وستظل الأجيال في فاقوس تتابع وتتدافع وراء غواية ذلك الفن المراوغ الجميل ، فهل ثمة علاقة إذاً بين فاقوس .. المكان والزمان .. الجغرافيا والتاريخ – ومبدعي القصة .. .. ؟ هل السبب هو تنوع السكان في فاقوس ما بين بدو وعرب وفلاحين ومصريين قدماء وغزاه استوطنوا هذه الأرض من فُرس وبطالمة ورومان وغيرهم .. ؟
* حضارات متعاقبة توالت علي هذه البقعة السحرية من أرض الوطن ، واستقرت عليها أو في باطنها حسب دورة التاريخ وحركة الزمن . فإذا كانت ميرال الطحاوى خرجت من البدو كاشفة لنا من حياتهم ما كنا نجهله من عادات وتقاليد ، هاتكه لأسرارهم ، ضاربه بسياج الصمت والعزلة ، صمت وعزلة مئات السنين – بل آلاف السنين – فإن محمد عبد الله الهادي – قدم لنا قريته – قرية مطاوع – التي احتلت النصيب الأوفر من مُجمل نتاجه القصصي والروائي ، يسافر في الزمن باحثاً عن أصولها وجذورها ومنقباً في الحكايات التي تتواتر عنها ، هل هي فرعونية أم عربية أم .. أم .. .. ؟! .
في " ضباب الفجر " ( 2 ) نعرف أن تلك القرية – قرية مطاوع – الواقعة علي هضبة عالية وحولها تلال كثيرة .. تحكي الأمهات : أن كان يسكنها قوم يتوضئون باللبن قبل أداء الشعائر والصلوات ، فنزل عليهم غضب الرب ، وأحالهم هم ومدنهم إلي مساخيط .. ورغم ما تحمله هذه الأسطورة من مغزى أخلاقي – إلا أنه يتمني – أي الكاتب – أن يقلِّب الأثريون بطن هذه القرية .. ولماذا سُميت مطاوع ؟ .. ! هل نسبة إلي الكاهن العظيم ( ميطا – ويع ) ؟! .. وما دام محمد حكاءاً ومُغرماً بالأساطير والحكايات الشعبية والخرافات والسير والملاحم .. فلنصغ إليه مشدودين – وهو يحكي حكاية الأميرة لوتس التي لا يحبها الشعب لأنها تملك الخرزة الزرقاء السحرية وتستخدمها في الشر .. وقد وقعت الأميرة في هوى الكاهن " ميطا – ويع " وأحبته ، ولكنة انشغل عنها بمناجاة رب الأرباب أمون العظيم وأقام كوخاً علي النهر ، وافترش نباتات " البردي " يأكل سمك النهر ويشرب ماء النهر ، ويغتسل بماء النهر ، ويناجي آمون رب الأرباب .
اغتاظت لوتس وكرهت النهر الذي شغل الكاهن عنها ، فأعلمت سحرها .. وتحول ماؤه إلي الأحمر القاني .. ففر الكاهن وحولت لوتس الأكواخ تلالاً والشعب إلي مساخيط ، ولما ماتت لوتس – عاد النهر – وعاد الكاهن ليبني كوخه ، ويأتي الناس من كل صوب وحدب حُباً في الكاهن العظيم " ميطا – ويع " ..
ولكن الأسطورة بعد الفتح العربي – تأخذ شكلاً ومعني آخر ، فبعد الفتح الإسلامي سُميت بقرية " مطاوع " نسبة إلي الشيخ مطاوع الذي جاء من سيناء مع عمرو بن العاص ، وأصل الحكاية كما يرويها الحَكَّاء محمد عبد الله الهادي – أن سليل أحد القبائل العربية جاءه الشيخ مطاوع ذلك الصوفي الجليل في المنام – ليأمره بأن يمضي مع الدراويش ويزور أولياء الله الصالحين ، ويخرج ، مهلهل الثياب ، لا مال ولا زاد ، يجوب المدن والبلاد ، ولما صفت نفسه ، وشفَّت ، ورقَّت ، أمره بأن يعود ويبني للعارف بالله سيدي مطاوع مقاماً ، فينفذ الوصية ، وكل عام يقيم له مولداً حيث الأذكار ، والمريدون ، والتابعون ، وصندوق النذور ، والمداحون ، والجوقة ، وصواني الطعام والراقصات ، والمغنون ، وتناول حبوب السعادة ، واستحلاب الأفيون ، وتدخين الحشيش .. .. إلخ ، إذن قرية محمد عبد الله الهادي قرية ممتدة في الزمان – وقصر محمد عبد الله الهادي معظم إبداعه علي قريته ، وخروجه عن القرية قد يفقده خصوصيته و تميزه ( فقصص محمد ترتكز علي واقع القرية المصرية ، يستلهم منها موضوعاته القصصية ، ويعالجها فنياً ، وتُظهر تلك القصص المؤثرات البيئية التي انعكست علي القصص أثناء المعالجة الفنية ، وأعني بالمؤثرات البيئية علي وجه التحديد : 1- المفردات اللغوية ، 2- رسم الشخصيات ، 3- الاهتمام بالمكان بوصفه بُعداً متميزاً ومؤثرا علي طبيعة الأحداث ، 4- انعكاس ثقافة الكاتب المتصلة بمعرفته للنباتات أسماؤها .. ألوانها .. إلخ .. بحيث كانت قاسماً مشتركاً نلاحظه في سياق العديد من القصص ) " 3 "
وإذا كان يوسف إدريس قد خرج من رحم القرية ( البيروم ) المجاورة لقرية محمد عبد الله الهادي – فقد ألقى هذا اليوسف الجميل بظلاله على محمد عبد الله الهادي الجميل أيضاً ، وليس معنى هذا أن نصوص محمد جاءت مسخاً مشوهاً لنصوص يوسف إدريس ، ولكنه احتفى بيوسف إدريس على طريقته ، بأن قام بمعارضة قصته الشهيرة " أكان لابد يا لى لى أن تضيئي النور " بقصة لا تقل عنها روعة و لا جمالاً ، حيث تتقابل وتتوازى معها، بعنوان " أكان لا بد يا عبد العال أن تبص لي "00 وهي أول محاولة لقاص – كما يذهب د 0 محمد عبد الحليم غنيم – يعارض فيها قاصاً ، قاصاً آخر ، بعد أن كانت المعارضات مقصورة على الشعراء !!
وهذه القصة إحدى الإشكاليات التي تواجه من يتعامل مع هذه المجموعة – التي تضم سبع قصص – نقديا ، حيث من الصعب تطبيق منهج نقدي واحد على قصص المجموعة لما بينها من تفاوت واختلاف في الشكل والمضمون وما تطرحه من رؤى وأفكار ، فالقصة المشار إليها آنفاً تحتاج إلى مداخلة نقدية تختلف عن المداخلة النقدية لقصة " دوائر النور والنار " 00 فالأولى تُصنف تحت مُسمى المعارضات القصصية إذا جاز هذا التعبير ، والأخرى " دوائر النور والنار " – كتابة حداثية جديدة – كتبها بطريقة السطر الشعري – على نمط قصيدة التفعيلة ، ولكنها خلت من الموسيقى ، والموسيقى أو الإيقاع من العناصر الضرورية للشعر ، وخلو النص من الموسيقى يخرجه من دائرة الشعر ، ونص " دوائر النور والنار " نصاً تجريبياً ، و يحق لمحمد عبد الله الهادي أن يُمارس التجريب بعد أن جاوزت تجربته الإبداعية ربع القرن 0
وإذا كانت القصة قد استفادت من الشعر والمسرح والفن التشكيلي 00 إلخ فنجد هذا التداخل جلياً في نص " دوائر النور والنار " وخاصة بين الشعر والقصة ، وإذا كنا نعيش عصر الحاسوب والعولمة والفضاء والهندسة الوراثية والفيمتو ثانية 0 فمن المؤكد أن المفهوم الأرسطي القديم عن الزمان والمكان والحدث قد تغير ، وكما أفادت الهندسة الوراثية في تهجين السلالات على مستوى الحيوان والنبات والإنسان ، فثمة تهجين آخر على مستوى الفن ورؤى جديدة وأطروحات جديدة 0 ونص " دوائر النور والنار " تطور طبيعي لفنيّ القصة والشعر حيث فضاءات جديدة لا مجال هنا لإستقصائها 0
والمشكلة في رأيي ، ليست في هذه النصوص التجريبية – بقدر ما هي في الأدعياء – سواء المتشاعرين أو المتأدبين ، فالشاعر نصف الموهوب الذي لا يقدر على موسيقى الشعر وأوزانه يعتقد وهماً أنه يكتب قصيدة حداثية " قصيدة النثر " وكذلك القاص الذي لا يملك أدواته الفنية ، وفي ظني – أن هذه النصوص ، أو تحديداً نص " دوائر النور والنار " فن كيميائي متولد من الشعر والقصة ، لا يقدر على كتابته إلا موهبة امتلكت زمام الفنين ، موهبة كبيرة لا تستوعبها القصيدة بشكلها الحالي ، ولا القصة بقالبها المألوف 0
لعل مما سبق –يتضح لنا – صعوبة التناول النقدي لقصص المجموعة ( حلقة ذكر ) " 4 " ، ومن ثم سنركز في مقاربتنا النقدية على قصة " حلقة ذكر على شرف الفقيدة " 0
***
محمد عبد الله الهادي لمن لا يعرفه – كما قلت قبلاً – حكَّاء ماهر ، مثل يوسف إدريس ، يكتب بمتعة كما يحكي بمتعة ، وتنتقل هذه المتعة إلى المتلقي ، وكأن الفن عنده – كما كان عند أستاذه – في أحد جوانبه إمتاع 0 فقصة " حلقة ذكر " مثلاً – احتلت وحدها من الكتاب الذي لا يتجاوز المئة صفحة – احتلت 42 صفحة – لتؤكد اتساع رقعة الحكاية عنده 0
وقصة " حلقة ذكر " من القصص التي كتبها محمد عن القرية ، ومعظم إنتاج محمد القصصي والروائي ، قد كتبه عن القرية ، وهو واحد من ( القاصين الذين خرجوا من قعر الريف 0 وامتزجت أرواحهم بسمره وفرحه وبؤسه وتقشفه ، يأخذ منه حكاياته ، وتشرَّب بروح أهالينا في تلك القرى الصغيرة التي تصنع عوالم تمتد في العمق الشديد من الزمن 0 حيث الفنان المصري ، الذي يجعل الصلصال يتكلم في معابد وتماثيل ونصب وجداريات 00 اختزل حياتهم المليئة بالأتراح والأفراح والشهوانية والطهرانية معاً في نصوص تضج بالحكي وتطفح بالسرد عن بشر حقيقيين عاشوا وماتوا ، ولم يلتفت إليهم أحد ، ليس لأنهم بلا دور ولا غاية ولا فاعلية ، ولكنهم كانوا جزءاً من الطبيعة النائية ، فهم جزء من مفرداتها وجزء من دورتها مثل دورة الزراعة للذرة والبرسيم والقطن والفول 0 فهم نبات يزدهر وبعدها تغيبه الفصول 0 ومثل حيوانات الطبيعة في نفس المنظومة لها نهايات حتمية معروفة ومقبولة تماماً – إنها سيمفونية الطبيعة / الريف التي تعزف دون نشاز ودون تدخل خارجي ) " 5 " 0
إذن هو يكتب عن بيئة يعيشها وعالم يعرفه ، يستقي منه شخوصه وأبطاله وأحداثه ، فيكتب عنه بحميمية شديدة ، وهذه الحميمية تجعله يطيل في الحكي أحياناً ، وهي صفة للحكاء المصري – الذي يسعى محمد – كما سعى أستاذه يوسف إدريس من قبل إلى إحياء هذا الحكاء فينا ، وبذلك تتحقق لقصصه الوحدة الفنية والعضوية ، وحدة الشكل والمضمون للقصة المصرية المستقاة من ريف مصر الأصيل 0
ومحمد يدخلنا في القصة موضوع التحليل " حلقة ذكر " ، بإقتطاعه لجزء من قصيدة 0 لأحمد فؤاد نجم " ابن الشرقية أيضاً " تحمل نفس اسم القصة ، ويجعله مفتتحاً لقصته ، ليدخلنا في أجوائها مباشرة :
" الله حي 00 اله حي 00
وسع سكة يمُر الضي
شيخنا العاشق 00 جيْ وراشق
سهمه وماشي حَدي بَدي " إلى أن يصل :
" بنادي عليكم 00 يا أهل الطريقة
وجوايا شوق 00 للغزل والحقيقة
فزعني ولسعني 00 وكوى قلبي كي
الله حي 00 الله حي "
و " حلقة ذكر " تقوم فكرتها على لحظة انسحاب الروح لامرأة عجوز ، مُعمرة ، أكبر مُعمرة في الجزيرة 0 " لا يعرف أحد يقيناً ذلك اليوم البعيد الذي خرجت فيه إلى الحياة " 00 " جسدها الممدود فوق بطانية قديمة ، بجوار الحائط الطيني هامد 0 ليس هناك سوى حركة الصدر الناهج ببطء ، تحت الملاءة المحبوكة عليه الآن ، هي سارحة في ملكوت الله الواسع " 0
وتتداخل الأزمنة ، وتتداخل ضمائر السرد ، وتتداعى على الذاكرة ، ذاكرة البطلة ، حوادث ، ووجوه ، ومواقف ، وذكريات بعيدة ، هي سارحة في ملكوت الله الواسع تراجع كشف حسابها النهائي ، المراجعة قبل النهائية ، تلقي نظرتها عليه ، تتأكد أنه كشف سليم ، لا يشوبه أدنى خطأ أو تزوير ، قبل أن يُرفع فوق كفة الميزان العادل 0 فهي تارة مع الجد متولي ، وتارة مع حسن الزوج ، وتارة مع الأب سليمان ،تطلب منه العفو والسماح 0 " سامحني يا با 00 أنا غلطانة !! "0 ونقف على أخطر سر في حياتها ، والذي لا يكشف عنه السارد مرة واحدة ، ولكنه يقدمه على فترات متباعدة ، مما يجعل المروي عليه / المتلقي في شوق دائم لمعرفته 0 وإذا كانت خاصية التشويق في العمل القصصي افتقدناها عند الكثيرين من كُتَّاب القصة الجُدد 0 فإن محمد عبد الله الهادي 0 يجعل القارئ يلهث وراءه ، وهذه ميزة أخرى تُحسب له 0
فالمرأة العجوز ، راحت تستعيد لحظة غياب العقل ، والاستسلام لنزوة الجسد داخل العش المسحور ! 0 ونعود قليلاً إلى البداية ، إلى حسن ابن عمها الذي أحبها وأحبته 00 " قصة حبهما تعرفها الجزيرة " ، " فاتحة الكتاب التي قرأها أبوه مع عمه كرباط مبدئي يقود فيما بعد لرباط مقدس " 0 وفي الغيط ، حين دمدمت السماء فجأة ، وهدر الرعد في الأعالي ، وهطلت الأمطار مدراراً 00 " جذبها من يدها وهرولا معاً يحتميان بالعش الدافئ ، المعتم قليلاً ، المفروش بالقش ، يده تلتف حول كتفها المبتلة ، أنفاسه القريبة منها كنار الفرن تدفئها وتثيرها وتتسلل داخلة من كل مسامها " 00 لا تدري متى امتدت كفه بتردد نحو يمامتيّ صدرها المضطرب بعلو دقاته ؟ 00 ومتى احتجزها بين ساعديه ، وانكمشت كالفرخ المبلول الباحث عن شعاع الشمس ؟ 0 هل كان يدغدغ خصرها ، ويتجاسر على سروالها ؟ 00 كانت تشعر بأن أقدامها مُثقلة بأثقال من حديد تعجزها وتكبلها 00 هذا هو الحدث المركزي والرئيس ، وثمة أحداث قصار كثيرة تتنامى وتتسع وتدور في فلك الحدث الرئيسي 0 تماماً مثل حلقة الذكر في واقعنا الشعبي المُعاش التي تتسع شيئاً فشيئاً حتى تصل للذروة بحالة الوجد 0
وخرجت بهية من بيت أبيها إلى دار حسن خروجاً مهيناً ومزرياً ، وظلت تجلد رُوحها ، وتعذب نفسها في محاولة للتطهر والتكفير عن هذه الفعلة الشنعاء00 " انتظمت في أداء الصلوات ، ولم تكن كذلك من قبل " 00 " تصلي وتطيل صلاتها ، تدعو الله ، تتمنى ، تحلم بالحلم المستحيل في أن يعود بها الزمن إلى الوراء مرة أخرى ، فلا تضعف أمام سطوة العشق التي سلبتها عقلها ، وجعلها تسقط في لجة العيب " 0
وأنجبت من حسن عشرة أولاد ، ظلت تربي ، وتكبر ، وتزوج ، وفي كل زيجة ، كانت تبالغ ، بل تتطرف بالمبالغة في مظاهر الفرح ، تنفق كل ما تدخره من نقود حتى آخر مليم من أجل الفرح : الطبل والزمر والغناء والدف ، وفي كل مرة كانت تزف نفسها مع العروسين ، فتسعد كثيراً ، وينتهي العُرس ، وتعودها الذكرى ، فتؤرقها الرغبة في زفاف آخر 0 " ذلك الشيء الذي حُرمت منه بقسوة في يوم الشتاء المطير " 00 حيث انتقلت لدار حسن ابن عمها بلا فرح وبلا زفة ، ولولا تدخل الأهل والعشيرة لجز والدها رقبتها بالشرشرة ، فأن تزف نفسها صمتاً مع كل زواج لأحد أبناءها هي مسألة نفسية – أو تعويضية – رغم أنها حاولت طول حياتها أن تكفر عن هذا الحادث – إلا أنه ظل يطاردها كالشبح – يقلق مضجعها ، ويعكر صفو حياتها ، والمفارقة في هذه القصة ، قبل أن تنسحب منها الروح تماماً0 تُوصي ابنها البِكر 0 أن تُزف إلى قبرها بلباس العُرس 00 وبالطبل والمزمار البلدي !!00 ووقع في قلب ابنها البِكر لأن الوصية أمام شهود وواجبة النفاذ0 وتنفيذها سيجعله مُسخة القرية كلها ، وبعد أخذ ورد ، وشد وجذب مع أبناء العائلة ، تفتق الذهن عن استدعاء رجال الحضرة 00 " دوت دقات البنادير بلحن الذكر ، ارتفعت قوائم النعش بخفة فوق الأكتاف ، علت الزغاريد من فوق رؤوس النساء ، صدحت سلاّمية أبو رفاعي بلحن الذكر الخالد الذي مسَّ شغاف قلوب المشيعين " 00 " البنادير تدق ، ولحن الناي الشجي يعلو بالفضاء ، الرؤوس تتمايل ، الألسنة تهمس : لا إله إلا الله 00 أعين رجال الحضرة تحتضن الضريح برقرقة الدمع ، بالوصل ، بالوجد ، بالهيام ، بالاندماج في الذكر ، بتمايل الرؤوس النشوانة : الله حي 00 الله حي 00 مدد يا أبو مطاوع 00 مدد يا أم هاشم 00 يا كحل العينين 00 الله حي 00 الله حي 00 مدد يا رفاعي 00 يا طب الأفاعي 00 مدد يا دسوقي 00 الله حي الله حي 00 مدد يا آل البيت 00 يا أهل الحقيقة 00 يا أهل الطريقة 00 الله حي 00 الله حي 00 "
وكما بدئت القصة بالذكر تنتهي بالذكر " قصة دائرية " ، ترى هل تطهرت بهية سليمان فعلاً ؟!