شجرة التوت
أم سعاد سيدة في العقد الثالث من العمر , محبوبة من قبل جاراتها اللاتي كن لا يفارقنها
إلا في أوقات وجود أزواجهن في البيت , حتى سهراتهن كانت تمتد إلى ما بعد منتصف الليل ,
كانت اجتماعية لبقة تحب الجميع ويحبونها , إذا تأخرت إحدى جاراتها عن زيارتها أسرعت تسأل عنها لتعرف السبب , لم لا وهي الغريبة عن البلدة , وذات صيف جاءت أم سعاد مع زوجها وبناتها الثلاثة ( سعاد التي تبلغ من العمر العاشرة , سلام ابنة السبع سنوات وسارة الطفلة المدللة ذات السنوات الأربع ) لتسكن حيث تم نقل مكان عمل زوجها بعيداً عن موطنها مئات الكيلومترات
هؤلاء الجارات كنَّ لها أماً وأخوات .
كان إحساسها تجاه أم مصطفى كإحساسها تجاه أمها , مع أنها لا تكبرها إلا ببضع سنوات .
أم مصطفى السيدة الطيبة القلب... الحنون , والتي تتصف بالحكمة والعقل الرزين مما جعل كل معارفها يحترمونها ويأخذون برأيها , إضافة إلى أن زوجها أبا مصطفى كان يتحلى
بكل صفات الرجل الحكيم ... الرقيق القلب... المحب لبيته وزوجته وأولاده وللغريب أيضاً
إذ كان يؤجر الشقق التي يمتلكها لأناس غرباء عن البلدة , فيسكنونها فترة من الزمن ثم يتركونها مغادرين , ولكنهم لا ينسونهم أبداً بل تبقى العلاقة ويستمر الاتصال والزيارات المتبادلة مهما بعدت المسافات .
كانت شقة أم سعاد تقع فوق شقة أم مصطفى , في الدور الثاني من البناء الذي يمتلكه زوجها , وقد تطاولت أغصان شجرة التوت في الحديقة الخاصة بشقة أم مصطفى
حتى كادت تصل إلى شرفة أم سعاد , وبرغم سعادة أم سعاد بهذا المسكن وبما يحيط بها من جيران محبين , إلا أنها كانت تشكو لزوجها تضايقها من تلك الشجرة - فكلما نشرت الغسيل كان يلامس أغصانها المتفرعة ويلتقط منها بعض الغبار- وتحثه على أن يطلب من أبي مصطفى قطعها , فوعدهازوجها أن يفعل ذلك في غضون أيام قليلة .
ذات يوم و بينما كانت أم سعاد تقوم ببعض أعمال المنزل , وابنتاها سعاد وسلام تدرسان و تكتبان واجباتهما المدرسية , كانت الصغيرة سارة تقف على الشرفة , تراقب الأطفال وهم يلعبون في الحديقة مع الهرة الصغيرة المدللة (ميكي) , نادت سارة بصوت مرتفع ... ميكي ... ميكي ,
مدت يدها الصغيرة تريد الإمساك بها, ثم صرخت وهوت من الشرفة , هرعت الأم إلى الشرفة عندما سمعت الصرخة متعثرة بخطواتها فلم تجد سارة هناك , أيقنت أن ابنتها قد سقطت , فأغمي عليها .
سقوط سارة أحدث جلبة أحست بها أم مصطفى التي كانت تجلس في الغرفة المطلة على الحديقة -
رأت أغصان شجرة التوت تهتز بقوة , فأدركت أن شيئاً ما قد سقط من الأعلى .
أسرعت تتفقد الصغار آملة ألا يكون قد أصاب أحدهم مكروهٌ , وكم كانت دهشتها شديدة عندما رأت سارة وهي معلقة بثوبها بأحد أغصان شجرة التوت , أسرعت إليها والتقطتها بعناية كما يُلتقط الثمر الناضج , سقتها بعض الماء ثم حملتها وأسرعت باتجاه الدَّرَج وهي تصيح :
يا أم سعاد ... يا أم سعاد ... سارة بخير لم تصب بمكروه , تجمعت الجارات حولها مذهولات وهن يتساءلن عما حصل , فُتح باب أم سعاد وأطلت منه الفتاتان وهما تبكيان وأخبرتا أم مصطفى أن أمهما ملقاة على الأرض دون حراك , فتوجهت هي والجارات إلى حيث كانت أم سعاد فوجدنها مغمىً عليها .
نثرت أم مصطفى قليلاً من الماء على وجهها وأمسكتها بين ذراعيها وهي تطمئنها على ابنتها .
أفاقت أم سعاد من إغمائها ولم تصدق عينيها عندما رأت ابنتها واقفة على قدميها , فأخذتها بين ذراعيها وضمتها إلى صدرها وهي تقبلها و تحمد الله على سلامتها .
بعد أن استردت أنفاسها سألت أم مصطفى : كيف وقعت سارة من الطابق الثاني ولم تصب بأذى ؟ فأخبرتها أم مصطفى بالأمر , عندها صرخت أم سعاد قائلة : سبحان الله ... سبحان الله ... الحمد لله أن أبا سعاد لم يطلب من أبي مصطفى قطع تلك الشجرة , فلولا رحمة ربي التي جاءت بتلك الشجرة ما كنا ندري ما كان حل بسارة الآن .
تصوري يا أم مصطفى منذ مدة وأنا أطلب من زوجي أن يسعى لقطع تلك الشجرة
وأشكو له منها وأتذمر... أرأيتِ ... لقد أنقذَتها بأمر الله .
إن في ذلك لعبرة !...... لسوف أسقيها بيدي هاتين مادمت هنا ,
ألم يوصنا سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم بالشجرة
ألم يقل عليه أفضل الصلاة والسلام (ازرع ولا تقطع)
وراحت تردد والجارات يرددن معها: سبحان الله... والحمد لله...
قدر الله وما شاء فعل
تلك كانت حادثة حقيقية أذكرها من أيام الطفولة
م.الهام56