نحن نحبك إذن نحن موجودون
ناجي من نجا بعدكْ ؟ لا أحد إلا من صارَ قربكْ !
بعدك يا ناجي لم يكن محمودُ خيبتَنا الأخيرة ،آه... لو أن ريشتكَ مازالت هنا لاكتشفتَ أنَّ للخيبة آباء وأصبحوا كثيرين جداً يا ناجي ولكنك ذهبتَ في تموز ، ذهبت في يوم لم يكن له شمسُ بل كان له إحدى هالات السواد التي تركَتْها ريشتك الساحرة في قلب كلِّ من فتحتَ في قلبه وعقله مصاريعَ الأسئلة ومغاليقَ الوجدان .
ما تركتَه كثيرْ بيد أنَّ ما لم تستطعْ قولَه أكثرْ، أبقيتَ جواركَ حنظلةَ حتى لا تغفلَ ولا يتركَكَ تغفلُ عن كامل التراب الوطنيّ ولا عمن يغني له نهاراً ويبيعه ليلا ، ولعنتَ كاتمَ الصوت فلم يستطعْ حنظلةُ أن ينقذكَ منه لكنه أنقذَ روحكَ وخلّصك خلاصَ الشهداءِ الخالدين أبداً.
ناجي أيها الحلُّ الدائمُ والحلُّ الوحيدُ كيفَ تريدُنا أن نبقيكَ عندنا ؟ لوحة ًعلى حائطْ أم شمعةً فوقَ عنصرِ الموتِ وعنصرِ النكوصْ ؟ لا..... نبقيكَ كما نبقي من لم تساومْ في حبِّها ولا هادنتَ في عرضها ولا سلَّمتَ مفاتيحَها وقضيتَ فارساً فريداً واحداً لم تهادنْ .
لم تتحولْ إلهاً هندياً بعشرة أيدي تحملُ الريشاتِ المخملية َ إنما تحوَّلتَ ذاكرةً جماعيةً وتراثاً نابضاً لشعوبٍ تحسنُ إلى أنبياءِ عزتها وكرامتها فورثتك شعوب ُالأرض الفقراءُ وشعوبُ السماء الملائكةُ معاً ، فهنيئاً لك بحزبٍ لا يريدكَ منضبطاً ولا يريدك مرتَّباً بل يريدك كما كنتَ وكما صرتَ وكما أنتَ ُقبلةً على جبينِ الصباحِ ووردةً على وجنةِ النهار وشعلة ًعلى كتف الليلْ .
بعد بيروت الصبيةِ الوردةِ من فتحةِ الجدار هناك جنينُ الصبيةُ العاشقةُ المقاتلة ُ، لم ترسمها أنتَ ولكنَّها رسمتنا جميعاً بريشة شرفٍ وعزة ٍوكرامةٍ لو رأيتها لاستمرَّت ريشتك تغزلُ شعرَها واحدةً واحدةً ، كلُّ حجر ٍفيها أصبح ريشةً يا ناجي والعلمُ فوقها غدا بوصلةً عصيةً.... ليتك رأيتها ، ليتك رأيتها ....
أطفالنا كما سنابلنا أحبتكَ حياً وزرعتك مفارقاً مسافرا في وجدانها ، لم نحسنْ مثلما أحسنت افتتاح َعشقها النبيلِ لكَ ولكنا كنّا نحاولُ فيه ونحاولُ معكَ فسامحنا إن تأخرنا في الجري خلف خلاصك القدّيسيِّ الخالدِ ، ولا تعاتبنا كثيرا فقد انشغلنا عنك بما لم نحسنْ فيه إلا تذكُّرَكَ دائما والعودةَ لحنظلتكَ كلّما نقص الترابُ الوطنيُّ كمشةً وزاد عذابنا كمشةً أخرى وكبرت خيبتنا في كثيرٍ من الخيبات والحسرات.
أيها العالي العليّ وصلَ إلى جدران حارتك واحدٌ ممن كانوا خلفك واسمه أبو حسرة الأيوبي قابلَ حنظلتك مرةً ولكنه لم يستطعْ أن يكمل ما بدأه ، ربما أصابه ما أصابَ حنظلتك يوماً ولكنه يدعو الله مخلصا بدعاء موسى واحللْ عقدةً من لساني يفقهوا قولي ، ويحتاج جلجلةَ المسيح كي يبقى واقفاً وقائماً وصبر محمدٍ حتى لا يغادرَنا كما غادرتَ فادعُ له أخي ناجي ربما يستعيدُ حنظلتك.
تموزُ هذا عجيبٌ نقبلُ فيه ما لا نقبله في غيره ونستودعُ فيه ما لا نستودعُ في غيره وكأننا مصرون أن يكونَ تموزُ هذا لنا خالصاً في رفع نجماتنا وإشعال شمعاتنا وترديد أناشيدنا وصلواتنا ، أولهُ غسانُ وآخرهُ ناجي وكلهُ فلسطينْ ، تموزُ هذا فلسطيني لا يحمل جوازَ فلسطين ولكنه يمرُّ عبرَ كل القارة دون إذنِ مرورْ ، ننتصر بتموزنا طالما بقينا نحسنُ الإصغاء فيه إلى ما يقوله القادمون معه.
سيكون صعباً عليك أن أقولَ لكَ أن حولنا من أخذَ من تموز يومَ سقوط عاصمةٍ ليكون عيداً ، وسيكون صعباً عليك أن أقول لك أن تموز هذا العام نحرَ البندقية التي كنت لا ترى إلا هي طريقاً ، وسيكون صعبا عليك أن أقولَ لك أن في تموز هذا من نقلوهُ إلى خيمةٍ ومن جديد في ذات العاصمة ِالتي سقطتْ ، هناك كثيرٌ مما سيكونُ صعباً أن أقولهُ فدعني لا أكملُ هذا .
ناجي الشجرةُ ما زالت الشجرةَ وعينُ الحلوة ما زالت عينَ الحلوة ولو أن الحلوةَ تبكينا جميعا وترسمنا بريشتك واحداً واحدا ، فلسطينُ التي من المحيط إلى الخليج أصبحت فلسطينَ التي في الجيوب إلا بيوتاً في الجنوب وبعض حواري وبعض خيمات ، والزيتونُ والحمامُ عقد مؤتمراً وقرر أن لا ينامَ ويبقى منشداً فلسطين بلادنا ، فلسطين بلادنا ويردد معك من جديد وهما معا شكلا الشرعية التي لا يمكن معها لكاتم الصوت أن يفلحَ يوماً ما لا في تموز ولا في غيره فكن مطمئنا على حنظلة وعلى كامل التراب الوطني .
أيها النبيلُ الجليلُ نحنُ نحبك إذن ْ موجودونْ .....
أيمن اللبدي
14/7/2003