بسم الله الرحمن الرحيم
لمْ تكنْ المرةَ الأولى التِي يُفرِّقُ صوتُهُ عناقَ جفنيّ ، وَ لكنِّي كلَّ مرةٍ كنتُ الراضيةَ أنِّي على وقْعِهِ تَنبّهتُ .
إِقْبالُهُُ طَلّ لا يغيرُ منْ حقيقتِهِ العاشِقةِ ؛ يقبلُ مسْرعاً و يطيلُ العناقَ ، فتُخفقُ مرآةُ العينِ فِي جَمعِ حَباتِهِ و قَدْ انْفرطَ عِقدهُا إذْ نَحرُ المعشوقَةِ مَسّهُ ، وَ لا تَدرِي أنْفراطَهُ كانَ فَرَقَاً منْ عَتَبِهَا أمْ انْفراطَتْ حباتُ قلبِهِ منْ لذةِ اللقاءِ بِهَا !
و أثرُ اللذةِ بَاقٍ .. بَاقٍ فِي الفكرِ بَقاءَ عَبَقِ الغَاليّة فِي الكفِّ ، فمَا منْ نَشوةٍ أحْلَى منْ اخْتلاطِ لَذْعةِ العَتبِ بِلذْعةِ الوَلَهِ وَ لا امْتِزاجِ حرارةِ الغضبِ بحرارةِ الحبِّ ، و كلُّهُ تَسْمَعْهُ هَمْساً منْ فمِّ المَحبوبَةِ المُدلَلَةِ حُججاً و بَراهِينَ ، أقلَّ مَا فِيهَا أنَّهُ كَلامُهَا !
و أثرُ اللذةِ بَاقٍ .. بَاقٍ فِي الأرضِ بَقاءَ حُمرةِ الوردةِ فِي بَتلاتِهَا ، فَمَا مِنْ جَمالٍ أرقَّ منْ تشبثِ قُطيراتِ المَطرِ بِوريقاتِ الشّجرِ وَ لا أعذبَ منْ طعمِ مَاءِ العِنَبِ مَغْسُولاً بمَاءِ السّمَاءِ ، وَ كلّهُ تُحدّثكَ بِهِ الأرضُ دَلائلاً وَ صُوراً ، أقلّ مَا فِيهَا أنّهُ عَمَلهَا !
و الأجْفَانُ بَينَ الأثرِ وَ الأثرِ يَحارُ فِيها الدّمعُ و المَطَرُ ، فَيُرى منْ حُبٍّ رَسْمُ الحبيبِ فِي الأولى و رَسْمُ السّمَاءِ فِي الثّانيةِ ، وَ مِنْ عَجَبٍ يَبْقَى الأولُ و بِسُرعةٍ يَخْتَفِي الثّانِي ، و كِلاهُما الفرَحُ لِصَاحِبِهِ .
و يَبْقَى .. و تَبْقَى رَائِحْةُ الغَزَلِ تَتَشممُهُ رَطباً كُلمَا تَحركَتْ الصَّبا نَحوكَ تُغْريكَ بِروحِهَا أنْ تَرشُفَ مِنْ صَافِي الذّكْرياتِ مَا عَلِقَ ، وِ أرشُفُ مَا بِيدِي البَلِلةِ مِنْ مَطَرٍ .