بسم اللـه الرحمن الرحيم
إلـى الزّهرتيْـن الغائبتيْـن..(..)
أذوي ..أذوي كحبّـةِ مطـر ..
هاأنذي أغادرُ إلى مملكةَ القمـر، وليس بيدي غير حقيبةِ حبي لكما، وبحورُ وفـاءٍ لاتنضب..تدغدغُ فؤادي حروفُكما النديّة، ونبضاتٌ قطفتُها من قلبيْكما خفيـةً، وخبّأتُـها بقلوبِ أحبتنـا جميعاً حتّى أستنشقَ عطرَها كلّما خطفني الشوق إليكما..وها أنذي أقفُ قربَ نهرِ الشوق الأكبر، أنتظر قوافلكما العائدة إلينـا، وقلبي يتمزّقُ حرقةً وألماً..لأنني لمْ أكنْ يوماً ما عاشقةً للغياب، كنتُ دوماً أخافُ الفراقَ وحكايا النوى، تتلاشـى روحي كلما لمحتْ مراكبَ الأحبابِ تمخر عبابَ الرحيل، راحلـةً إلى جُزرِ الصمت..
أناملي لم تعدْ قادرةً على مصافحةِ الحرف، وروحي تقتاتُ منها كلُّ الفصول الحزينة، وذهني يذبلُ كشمسِ المساء الراحلـة، فقدْ أحرقَ غيابُكـما حدائقَ الياسميـن التي نبتتْ، وباتَ الرُّقادُ خصمي العنيد، يعذّبَ جفنيّ بسياطِ السهـر..
حلمتُ دوماً بأُسْـرةٍ لاتذبلُ فيها أشجارُ القلب، ولاينكسرُ إيقاعُ حبّهـا، فاكهتُهـا نيسان، وشرابُها قطراتُ الندى، وضمادُها قوسُ قزح ووريقاتُ الرّنـد ..وكنتمَا منّي ومازلتما، قرنفلَتيْـنِ تزهوان بالزمن الجميل، وتوزعان البسماتِ على قبائل القلب الفقيرةِ أمـلاً..
بغيابكما نسيتُ نكهةَ حرفي، ونسيتُ معها حلاوةَ البسمات، ونسيتُ كيفَ تُقطَفُ الشمسُ قبلَ رحيلـها، وكيفَ تُزرَعُ النجماتُ أزمنـةً ضوئيـة، ليصبحَ الكونُ بها جنّةَ حبّ ..
افتحـا معي بواباتِ اللقـاء، ولاتزرعاني بحقولِ الغياب سنبلـةً شاحبةَ الألحان، واكتُبا معي بدفترِ العودةِ قصيداً جديداً، يحتفلُ بميلادِ الفرح والتسامح.
تعلمـان؟ بكمـا وبكل أحبّتي، تزهرُ فصولُ روحي، وتستردُّ أيامي مدخراتِ حنانها المفقود..بكمـا أزهو بأحلامي الجميلة التي تنبتُ كل يومٍ على ضفاف القلب، لأنني بكما وبالأحبابِ، أتعلمُ العزفَ على خيوطِ الفجر، وأنتظرُ قوسَ قزح بينَ السحابِ والبحـر، غير خائفة من هجماتِ الأحزان المتكررة لبلادِ أرواحنا..لأنَّ سلاحَنا الحبُّ والوفاءُ والحرف ..
ها قدْ جمعتُ من أجلكمـا أياماً كُسِرَتْ مرآتُها، وضمّختُها بعطورِ قلبي، وطرّزتُها بزهورِ البنفسج، ووضعتُ بمزهريةِ قلبي : نوراً ووروداً زاهيةً، جنباً إلى جنبٍ، ورافقتُ القمرَ إلى وطنـه راضيةً مطمئنة، ولنْ يغمضَ لي ولـهُ نبضٌ، حتّى تستقبلَ موانئُ قلبيْكمـا مراكبي، فتعود بكما وبكل الأحبـة الغائبيـن.