أفزعتني.....
صوت المنبه ارتفع فجأة في رنين غير منقطع..خرق الصوت أذني حتى وصل مني العظم.. حاولت أن أتجاهل الصوت..فغطيت رأسي .. لكن الصوت كان أعند مني.. أخرجت يدي من تحت الغطاء دون رأسي لأوقف المنبه.. بحثت أمسكت بشيء قد يكون هو..رميته أرضا سمعت صوت شيء ينكسر..في نفسي أظنني قضيت عليه.. لكن الصوت ظل يرتفع شيئا فشيئا..أدركت بأني لم أنته منه بعد..وضعت المخدة على رأسي وبدأت أتقلب في فراشي..لكن دون جدوى... عدت أُتمتم لقد هزمني المنبه.. أخرجت رأسي.. مددت يدي إلى المنبه الذي كان قريبا جدا مني فقتلت الصوت فيه.. بقيت مسترخيا أتلذذ ببقايا النوم الذي كان لم يزل يغمرني بأمانه.. ولا أعلم كيف وقعت عيني على المرآة أمامي حيث بدأت أتاملها بغرابة وكأني لأول مرة التقيها في غرفتي..لم تكن المرآة هي ما تثيرني بقدر ما أثارتني صورة تعكسها المرآة.. صورة طفل عيناه دامعة وهو بين أحضان أمه حيث يداها تلفانه وكأنها تضمه لتبعده عن الكواسر ومذابح البشرية.. بدأت الأفكار والهواجس تتقاذف في ذهني كما زخات المطر تتقاذف عندما ترتطم بصخرة جاحدة..شعرت بقشعريرة تسري في جسدي..لهول الأفكار التي داهمتني...طفل في حضن أمه وبين يديها ويبكي..إذا فكيف يكون حال من لا يجد حضنا يأويه...لا يجد أما تناديه ب(ماما).. حنانا تغمره عندما تشتد الأيام عليه..عندما تضايقه الأقدار وتسلب منه الأمان..عندما تصبح الحياة مجرد لعبة أزلية بيد من هم لا يستحقونها يعبثون بها...وأنا في غمار الهواجس والأفكار هذه تخيلت نفسي وأنا أعيش الحالة هذه ومن شدة هولها اعتدلت جالسا وصدري فيه بركان من الألم والحرقة..كنت أتمنى لو أنها (...) لم تهدني هذه اللوحة التي فيها أرى حرقتي وعذابي..كنت أتمنى لو أنها لوحة أخرى أي شيء آخر غير هذه التي أثارت في الألم والوجع والخوف من يوم قد يأتي وأجدني بلا حضن..بلا.. من أناديها (ماما)...فكرت أن أنزعها من جدار غرفتي وأضع بدلا عنها..لوحة أخرى...لكن ماذا يمكنني أن أضع مكانها... كنت لم أزل في الفراش جالسا مغروسا كشجرة تأبى أن تتخلى عن جذورها برغم الإعصار الذي بات يهددها...حاولت أن أجد ما قد يشغلني عنها فنظرت إلى النافذة التي تطل على الشارع..لكنه كان مهجورا.. فقلت في نفسي المنبه كان يريد مني أن استيقظ لسبب ما..فكرت بالأمر الذي جعلني أعد المنبه لهذا الوقت..لكن هواجس اللوحة طغت على كل شيء وجدتني أعود إليها غصبا..قسرا..وفي لحظة ما ولا أعلم كيف قررت أن أنزعها.. فخرجت من فراشي..ومددت يدي إليها ونزعتها وكأني أنزع شيئا لا ينزع هكذا دب شعور خفي في أعماقي..لكني عاندت نزعتها ووضعتها خلف المكتبة حتى لا أراها...فكرت أن أضع بدلا عنها لوحة أخرى ..لكني لم أكن أملك بديلا لها..همست لا بأس عندما أخرج إلى السوق اشتري لوحة لأضعها مكان التي نزعتها...تذكرت حينها بأني على موعد مع صديقة للذهاب إلى السوق لشراء هدية عرس لأحد زملائنا...خرجت...وفي المساء ونحن نستعد للعودة تقول لي الصديقة بأنها تريد أن تسلمني أمانة وصت بها أختها الصغيرة.. والأمانة كانت لوحة حجمها أصغر بقليل من تلك التي نزعتها من على جدار غرفتي.. أخذتها..شكرتها...عدت للبيت...دخلت غرفتي...فتحت هديتي... آه...أه...إنها لوحة جميلة جدا...طفل وحيد ليس معه أحد..يبكي على رصيف مكتظ بالناس....نظرت إلى المكتبة..سرت إليها.. أخرجت لوحتي القديمة.. وعلقتها ووضعت الجديدة في مكان القديمة خلف المكتبة.. دب شعور قاس في أعماقي وكأنها رسالة مجهولة لي..وأتذكر بأني كنت أتمتم مع نفسي إنها أفزعتني...أفزعتني.