بسم الله الرحمن الرحيم
{ هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَابِ }
( آل عمران:7)
الإهداء
إلى المعظمين لله تعالى، الرافعين لواء التوحيد.
إلى الدعاة لدين الله في كل مكان.
إلى الباحثين عن آيات الله في الأنفس والآفاق.
إلى المتخصصين في العلوم الإسلامية والدنيوية.
إلى روح والدي وإلى والدتي وزملائي وأساتذتي.
أهدي هذا الجهد البسيط راجياً من الله أن يجعل ثواب هذا العمل في ميزان حسناتي إنه نعم المولى ونعم النصير.
الباحث
الشكر والتقدير
أتقدم بشكري وتقديري لكل من ساهم في إنجاز هذا البحث سواء شارك بجهده أو بتوجيهه أو بوقته من أساتذة كرام وأخص الدكتور: عبد الكريم الدهشان، وموظفي مكتبة جامعة القدس المفتوحة، وموظفي مكتبة الجامعة الإسلامية، ولمن ساهم في هذا البحث المتواضع جزاهم الله عنا خير جزاء.
هذا وبالله التوفيق...
الباحث
المقدمة
الحمد لله رب العالمين، الحمد لله حمد الشاكرين، القائل في كتابه العزيز { وإذ تأذّن ربكم لئن شكرتم لأزيدنّكم ولئن كفرتم إنّ عذابي لشديد }( إبراهيم:7)، والحمد لله الذي امتن على عباده بنبيه المرسل، وكتابه المنزل، ليخرجهم من ظلمات الكفر والجهالة إلى نور الخير والهداية، ومن جور الأديان، إلى عدل الإسلام، ومن عبودية العباد إلى عبودية رب العباد.
والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، المبعوث رحمة للعالمين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن سار على دربه، واستن بسنته إلى يوم الدين، وسلم تسليماً كثيراً وبعد:
فإن هذا القرآن الكريم هو دستورنا الأعظم، وشرعة الإنسانية السمحاء، فما زال هذا القرآن بحراُ زاخراُ بأنواع العلوم والمعارف،( يحتاج من يرغب في الحصول على لآلئه الغوص في أعماقه) ولا يكون ذلك إلا من خلال علم التفسير، الذي هو أشرف العلوم وأجلها وأعظمها أجراَ وأنبلها مقصداً، وأرفعها ذكراً.
فلذلك حثّ الله – تعالى – عباده المؤمنين على تدبر كتابه وفهم معانيه، والغوص في أعماقه للكشف عن لآلئه.
قال تعال: { أفلا يتدبّرون القرآن أم على قلوبِ أقفالها} ( محمد:24)، وكذلك حث الله – تعالى – عباده المؤمنين على أن ينفروا ليتعلموا كتابه، ويتفهوا دينه، ومن ثم يرشدون أقوامهم ويعلمونهم.
قال تعالى: { وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون} ( التوبة: 122).
وقد بين رسول الله أن خير الناس من علم الكتاب وعلمه، فعن عثمان بين عفان رضي الله عنه قال: قال: رسول الله : ( خيركم من تعلم القرآن وعلمه)(1).
ومما لاشك فيه أن علوم القرآن والتفسير، هي خير العلوم على وجه الإطلاق لأنها متعلقة بخير الكلام، كلام رب العالمين.
وهذا العلم له أهمية عظيمة في حياة الأمم وشعوبها، فيوم أن فهمت الأمة كتاب الله واتخذته دستوراً لها، كانت لها السيادة والريادة، ويوم أن نبذت كتاب الله جانباً، ورضيت بالمناهج الوضعية دستوراَ ومشرعاَ، كان لها الهزيمة والضياع والخسران.
ومن أجل هذا حاول أعداء الله النيل من أمة محمد وذلك من خلال الطعن بكتاب الله – عز وجل – وصدّ الناس عن إتباعه وفهمه، والترويج للأفكار الوضعية لتكون بديلاً عن هذا الكتاب العظيم، ولكن أني لهم هذا وقد تكفّل الله بحفظ هذا الدين.
قال تعال: { إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون} ( الحجر:9 ).
ومما ولا شك فيه أن الباحثين والقائمين على خدمة كتاب الله تعالى، هم أداة من قدر الله لحفظ هذا الكتاب، سخرهم الله تعالى، لنيل هذا الشرف العظيم.
فلذلك أحببت أكون واحداَ من هؤلاء الدارسين والباحثين لكتاب الله، لأنهل من هذا العلم الذي لا تنتهي عجائبه.
ولقد كان ظهور التفسير الموضوعي كعلم مستقل بذاته بمثابة فتح لطالب العلم وللباحث، لذا رأيت قبل أن ألج إلى سورة النبأ وسورة تبارك أن أمهد بموجز عن هذا العلم الجديد مصطلحاً ، القديم عملاً، خاصة أنني سأتبع لون التفسير الموضوعي عند تفسيري لهاتين السورتين.
ووقع اختياري على سورة النبأ لتكون موضوع البحث لما فيها من لطائف لفتت انتباهي ودروس تربوية للدعاة، وبناء للعقيدة، وهدم للوثنيات.
أما سورة تبارك فهي تجعل المتأمل فيها في حالة من اليقظة المستمرة، بعرضها لمشاهد الجنة والنار، وخطاب الملائكة للكفار، والنظر إلى آيات الله والتفكر فيها، من الطير الصافّة، والنجوم العالية،كما أنها تعرض الحكمة من خلق الموت والحياة.
وأسأل الله – عز وجل – أن يوفقني لما يوجب رضاه وأن يجعل عملي هذا خالصا لوجهه الكريم وأن ينفع به الإسلام والمسلمين
الباحث
عدنان أحمد البحيصي
الفصل الأول: ( التفسير الموضوعي )
ويضم ما يلي:
• أولاً : تعريف التفسير الموضوعي
• ثانياً : نشأة التفسير الموضوعي
• ثالثاً : ألوان التفسير الموضوعي
• رابعا : أسباب ظهور التفسير الموضوعي
• خامساً : أهمية التفسير الموضوعي
أولاً : تعريف التفسير الموضوعي
يتألف مصطلح التفسير الموضوعي من جزأين مركبا تركيباً وصفياً.
التفسير لغة:
مصدر على وزن تفعيل، فعله الثلاثي " فَسَر" والفعل الماضي من المصدر " تَفَسَّر" مضعف بالتشديد، وهو " فسَّر يُفَسر تفسَيرا" أي هو الكشف والبيان والتوضيح للمعني المعقول وإزالة إشكاله وكشف مراد الله فيه(2).
في الاصطلاح:
علم يكشف به عن معاني آيات القرآن وبيان مراد الله تعالى حسب الطاقة البشرية(3).
الموضوعي:
الموضوع لغة: مشتق من الوضع.
والوضع: جعل الشيء في مكان ما، سواء كان ذلك بمعنى الحط والخفض أو بمعني الالتقاء والتثبت في المكان.
الأول: وضع مادي حسي، ومنه: وضعه على الأرض، بمعني حطه وإلقائه وتثبيته عليها.
الثاني: وضع معنوي، ومنه: الوضيع، وهو الدنيء المهان الذليل، الذي قعدت به همته أو نسبه، فكأنه ملقى على الأرض، موضوع عليها: لا يفارق موضعه الذي التصق به أي أن النوعين يلتقيان على البقاء في المكان وعدم مفارقته، أي أن التفسير مع الموضوع لا يفارقه(1).
أما تعريف مصطلح التفسير الموضوعي:
هو علم يتناول القضايا حسب المقاصد القرآنية من خلال سورة أو أكثر(2).
ثانياً : نشأة التفسير الموضوعي
لم يظهر مصطلح " التفسير الموضوعي" إلا في القرن الرابع عشر الهجري إلا أن لبنات هذا اللون من التفسير وعناصره الأولى كانت موجودة منذ عصر التنزيل في حياة رسول الله (2).
وبما أن التفسير الموضوعي ظهر حديثاً؛ لذا لم يتكلم المفسرون السابقون عن قواعده وخطواته وألوانه، ولكن العلماء والباحثين المعاصرين أقبلوا عليه يدرسونه ويقصدونه ويتحدثون عن قواعده وأسسه وكيفيته.
فظهرت مؤلفات كثيرة في هذا المجال ومنها كتاب " الأشباه والنظائر" لمؤلفه مقاتل بن سليمان البلخي المتوفى سنة 150هـ وذكر فيه الكلمات التي اتحدت في اللفظ واختلفت دلالاتها حسب السياق في الآية الكريمة.
وإلى جانب هذا اللون ظهرت دراسات تفسيرية لم تقتصر على الجوانب اللغوية بل جمعت بين الآيات التي تربطها رابطة واحدة أو تدخل تحت عنوان معين، كالناسخ والمنسوخ لأبي عبيد القاسم بن سلام التوفي سنة 224هـ ولازال هذا الخط مستمر إلى يومنا هذا(1).
وقد توجهت أنظار الباحثين إلى هدايات القرآن الكريم حول معطيات الحضارات المعاصرة وظهور المذاهب والاتجاهات الاقتصادية والاجتماعية، والعلوم الكونية والطبيعية.
ومثل هذه الموضوعات لا تكاد تتناهى فكلما جد جديد في العلوم المعاصرة، التفت علماء المسلمين إلى القرآن الكريم ليسترشدوا بهداياته وينظروا في توجيهات الآيات الكريمة في مثل هذه المجالات(2).
ثالثاً : أقسام التفسير الموضوعي
• أقسام التفسير الموضوعي:
ويمكن حصر أقسام هذا التفسير في ثلاثة أقسام:
القسم الأول: التفسير الموضوعي للمصطلح القرآني: بحيث يختار الباحث لفظة أو مصطلحاً، تتكرر في القرآن كثيراً، فيتتبعها من خلال القرآن، ويأتي بمشتقاتها ويستخرج منها الدلالات واللطائف.
القسم الثاني: التفسير الموضوعي لموضوع قرآني: بحيث يختار الباحث موضوعاً من القرآن، له أبعاده الواقعية في الحياة أو العلم أو السلوك.....، مما يفيد المسلمين منه ويشكّل منه موضوعا معينا، يخرج بخلاصة تساعد على حل مشاكل المسلمين ومعالجة أمورهم.
القسم الثالث: التفسير الموضوعي للسور القرآنية: وهو أن يختار الباحث سورة من القرآن، تكون مدار بحثه – وهذا موضوع الباحث في هذا البحث – ويخرج منها بدراسة موضوعية متكاملة(1).
وهناك نوع رابع من أنواع التفسير الموضوعي وهو: [ التفسير الموضوعي للقرآن الكريم متكاملا]، بحيث تتضافر جهود عدد من الطلاب للبحث في الوحدة الموضوعية للقرآن الكريم، وإخراجه في صورة واقعية وإلى حيز الوجود.
وهذه فكرة طيبة، تحتاج إلى من يتبناها ويدعّمها، ويحوطها بالعناية لتكون لبنة طيبة في هذا المجال الجديد.
رابعا : أسباب ظهور التفسير الموضوعي
إن من أهم الأسباب التي أدت إلى ظهور التفسير الموضوعي هي:
1- تجدد حاجات المجتمع وبروز أفكار جديدة ونظريات علمية حديثة لا يمكن تغطيتها ورؤية حلول صحيحة لها إلا باللجوء إلى التفسير الموضوعي، والطبيعة العامة لهذا العصر حيث شهد تحكم الجاهلية في العالم وقيادتها للبشرية وانتفاش الكفر، والآراء الجاهلية الكافرة ووصولها إلى عقول المجتمعات الإسلامية وتصعيد الغزو الفكري ضد المسلمين بشتى الوسائل المرئية والمسموعة، مما دعت الحاجة من المفكرين المسلمين من التوجه إلى القرآن الكريم وتدبّره واستخراج حقائقه ودلالاته التي فيها تفنيد هذه الأفكار الضالة الكافرة الغازية ومواجهتها ووقاية المسلمين من شرورها، وفي هذا حسن إدراك المفكرين المسلمين المعاصرين لمهمة القرآن الجهادية في المواجهة، مثل قوله تعالى:{ فلا تطع الكافرين وجاهدهم به جهادا كبير}( الفرقان:52).
2- الوضع العام المحزن للمسلمين في هذا العصر، حيث تم القضاء على الخلافة الإسلامية وأقصي الإسلام عن الحكم والتوجيه، ونشأت مناهج حياة في بلاد المسلمين على أسس غير إسلامية، وأصبح الإسلام غريباً في مؤسساته، مما دعا العلماء المسلمين إلى العودة إلى القرآن والالتزام به وتطبيق توجيهاته ومبادئه في حياتهم.
3- مواكبة التطور العلمي المعروف في هذا العصر، حيث شهد العصر الحديث تجوع العلماء والباحثين إلى مزيد من التخصص الدقيق، والتعمق المنهجي العلمي وتجميع الجزيئات المتفرقة في اطر عامة موحدة(1).
4- إصدار أعمال علمية موضوعية عامة تتعلق بالقرآن وألفاظه وموضوعاته ساعدت هذه الدراسات المعجمية العلمية الباحثين في القرآن الكريم وسهلت عليهم استخراج الموضوعات القرآنية من السور والآيات.
5- التفات أقسام التفسير في الدراسات العليا في الكليات الشرعية والجامعية وتشجيع طلاب العلم إلى الكتابة في التفسير الموضوعي والبحث في الموضوعات القرآنية(2).
خامساً : أهمية التفسير الموضوعي
التفسير الموضوعي هو تفسير العصر والمستقبل وله أهمية كبرى عند المسلمين وحاجتهم إليه ماسة، وهذا التفسير يحقق للمسلمين فوائد عديدة من حيث صلتهم بالقرآن وتعرفهم على مبادئه وحقائقه، وتشكيل تصوراتهم وتكوين ثقافتهم، ومن حيث عملهم على إصلاح أخطائهم وتكوين مجتمعاتهم، والوقوف أمام أعداء الإسلام(3).
وتبرز أهمية التفسير الموضوعي في:
1- حل مشكلات المسلمين المعاصرة وتقديم الحلول لها على أسس حث عليها القرآن الكريم.
2- تقديم القرآن الكريم تقديماً علمياً منهجياً لإنسان هذا العصر، وإبراز عظمة هذا القرآن وحسن عرض مبادئه وموضوعاته، واستخدام المعارف والثقافات والعلوم المعاصرة أداة لهذا الغرض.
3- بيان مدى حاجة الإنسان المعاصر إلى الدين عموماً وإلى الإسلام خصوصاً، وإقناعه بأن القرآن هو الذي يحقق له حاجاته ومتطلباته.
4- يقوم العلماء والباحثون بالوقوف أمام أعداء الله وتفنيد آرائهم وأفكار الجاهلية(1).
5- عرض أبعاد ومجالات آفاق جديدة لموضوعات القرآن، وهذه الأبعاد تزيد إقبال المسلمين على القرآن.
6- إظهار حيوية وواقعية القرآن الكريم حيث إنه يصلح لكل زمان ومكان فلا ينظر الباحثون إلى موضوعات القرآن على أنها موضوعات قديمة نزلت قبل خمسة عشر قرنا، وإنما يعرضونها في صورة علمية واقعية تناقش قضايا ومشكلات حية.
7- التفسير الموضوعي يتفق مع المقاصد الأساسية للقرآن الكريم، ويحقق هذه المقاصد في حياة المسلمين.
8- التفسير الموضوعي أساس تأصيل الدراسات القرآنية وعرضها أمام الباحثين عرضاً قرآنياً منهجياً وتصويب هذه الدراسات وحسن تخليصها مما طرأ عليها من مشارب وأفكار غير قرآنية.
9- عن طريق التفسير الموضوعي يستطيع الباحث أن يبرز جوانب جديدة من وجود إعجاز القرآن الذي لا تنقضي عجائبه.
10- تأهيل الدراسات القرآنية وتصحيح مسارها.
11- بالتفسير الموضوعي ينفذ الباحثون أمر الله بتدبر القرآن الكريم وإمعان النظر فيه وإحسان فقهه وفهم نصوصه(2