رابطة الأدب الحديث تُكرم وديع فلسطين
كرّمت رابطة الأدب الحديث يوم الثلاثاء الماضي (9/5/2006م) العلامة وديع فلسطين، عضو مجمع اللغة العربية بالأردن، وسورية، ورئيس تحرير مجلة "المقتطف"، وأستاذ الصحافة الأسبق بالجامعة الأمريكية بمصر. وقد ألقى الروائي الأستاذ حسني سيد لبيب هذه الكلمة.
--------------------------------------------------------------------------------
في تكريم وديع فلسطين
بقلم: حسني سيد لبيب
ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــ
عرفتُ الأستاذ وديع فلسطين في بدايات حياتي الأدبية، ضمن مَنْ عرفت من الأدباء. وكان الأستاذ وديع هو الأقرب إلى نفسي، لأسباب عديدة من أهمها صدق المقولة عنده، ونصاعة الفكرة، وحسّه اللغوي الذي لا يبارى. كما أن خلقه الرفيع وتواضعه الجم من العلامات البارزة في شخصيته، فزاد الإعجاب وارتفع رصيد حبي له.
واليوم، يسعدني أن المشاركة في حفل تكريمه، للمكانة الرفيعة التي استحوذها في نفسي، والمنزلة العالية التي ارتقاها في فؤادي. ما يقربني إليه أكثر ثقافته الواسعة ودأبه على مواصلة القراءة، حتى تخيلته إذا ما استسلم لنوم فإن كتابا ما يبقى على صدره. ولا يكتب في شيء لا يعرفه، أو يتزيد في قول لا يحب الخوض فيه. لذا نجده قارئا شغوفا بالكتب، علاوة على اتصالاته الواسعة عبر البريد بالكثيرين من أدباء الوطن العربي.
عرفتُ الأستاذ وديع أول ما عرفت من خلال مقالاته في مجلة "الأديب" اللبنانية. وأعجبتُ بأسلوبه الرصين وفكره المستنير، حتى صارت كتاباته أول ما أقرأه في هذه المجلة. وعرفتُ عنوانه من البريد الأدبي للمجلة، فراسلته، إعجابا وتقديرا، فإذا به يرد على رسالتي بسرعة غير معهودة. سطر فيها صفحات عن واقع الحياة الأدبية في مصر، فوقفت على جانب مهم من شخصيته. وكانت أحاديثه مستطردة مستفيضة، تخدم الفكرة وتعمقها.
في كل يوم أكتشف في الكاتب الكبير سمة رائعة من سمات الأديب المتميز المتفرد، كلما تعرفت عليه أكثر، اقتربت منه أكثر، حتى صار قريبا من نفسي وقلبي.
وقد كتبت عنه دراسة بعنوان "وديع فلسطين أديب الغربة الإيجابية"، نشرتها في مجلة "الإخاء" الإيرانية عام 1977(1) .
يقول عنه الشاعر محمود أبو الوفا (2) :
صفاتُـك لا يُحاكيهـا صفـاتُ ولكـن قد يحاكيها الربيـعُ
بوصفك يُزهر الأدب المصفَّـى وباسمك أينع الخُلُقُ الرفيعُ
فُتِن بالأدب وفنونه، ومن خلال عمله الصحفي بمجلة "المقتطف" وجريدة "المقطم" سوّد مئات المقالات الأدبية. لكن اشتغاله بالترجمة صرفه كثيرا عن الأدب، وإن ربطته به وشيجة وطيدة الصلة، فصار الأدب هوايته، والترجمة مهنته.
ساعدته دراسته للأدب والصحافة بالجامعة الأمريكية في التواصل مع الصحافة الأدبية، فظل حتى الآن مواكبا للحركة الأدبية في مصر والعالم العربي، متابعا للمتغيرات فيها. وتعد هذه المواكبة والمتابعة امتدادا لعمله السابق في الصحافة.
يعدُّ الأستاذ وديع مرجعا مهما لكل من يؤرخ للحركة الأدبية. له باع طويل في متابعة نشأة الروابط والجمعيات الأدبية، ومتابعة أنشطتها، وعلى الأخص رابطة الأدب الحديث. لذا فإن الرابطة بتاريخها الطويل في خدمة الأدب العربي، حين فكرت في تكريم روادها، رأت أن تبدأ اليوم بتكريم ابن من أبنائها البررة وعلم من أعلامها البارزين. تكريم الكاتب العظيم الأستاذ وديع فلسطين.
من أهم كتبه، كتاب "قضايا الفكر في الأدب المعاصر" (3) الصادر عام 1959م، وكتاب "مختارات من الشعر المعاصر وكلام في الشعر" ويقع في 400 صفحة. وله العديد من الكتب المترجمة من وإلى الإنجليزية، وكتب أخرى حققها أو راجعها.
في حوار أجري معه، تحدث في مرارة عن "الموضة" في الأدب، فقال (4) : "هناك جنوح إلى الأخذ بأساليب "الموضة" في الأدب، و"الموضة" معناها قيام مناسبة ما، فيتسابق على التأليف فيها الأدباء والشعراء، حتى إذا جاءت مناسبة أخرى سايروا "موضتها"، وهكذا دواليك. وهناك استخفاف بأهم عنصرين من عناصر الكتابة الأدبية، وأعني بها الأسلوب والفكرة، وما أكثر ما نقرأه، فإذا هو مسلوب من الأسلوب ومحروم من الفكرة". يصفه أحمد زكي أبو شادي بالجوهرة المتألقة في تاج الأدب العربي الحديث (5) .
تحية إجلال وإعظام للكاتب القدير وديع فلسطين. ولعل الرابطة في تكريمها له واحتفائها به اليوم تعطيه جزءا مما يستحق.
حسني سيد لبيب
hosni_labib@yahoo.com
ـــــــــــــــــــــــ
الهوامش :
1. حسني سيد لبيب: مقال "وديع فلسطين أديب الغربة الإيجابية" ـ مجلة "الإخاء" 12 مارس 1977 ص ص 40، 41، ومجلة "البيان" الكويتية ـ يونيو 1977
2. د. حسين علي محمد: سفير الأدباء وديع فلسطين ـ الشركة العربية للنشر والتوزيع ـ القاهرة 1998م ـ ص 17
3. كتب حسني سيد لبيب مقالا عن الكتاب بمجلة "الفيصل" السعودية ـ أكتوبر 1985 "محرم 1406هـ "
4. د. حسين علي محمد: سفير الأدباء وديع فلسطين ـ ص 45
5. المصدر السابق ـ ص 65