بعد تخرجي من الجامعة العربية والتي مقرها في المنصورة سافرت لمسقط رأسي غزة علما بأن مسقط تبعد عن غزة مئة فرسخ !! :
وقد سمعتُ بأنه توجد وظائف فاغرة فاها وشاغرة في السعودية فسافرت لعمَّان وهي لا تمتُّ لمسقط بصلة أو فجلة نزلت بفندق برتبة شاويش وفي اليوم التالي شددْتُ الرحال وحطتْ بي عصا الترحال إلى (مكتب تصدير المعقَّدين) الميممين وجوههم شطر أرض الحرمين ...
- السلام عليكم ..
- وعليكم السلام . حيا الله من جانا .. وايش تبي؟
- جئتُ – طال عمرك – لاتعاقد برتبة دكتور في السعودية !
- من وين الأخ ؟
- من غزة – طال عمرك - !!
- هلا بك .. عندنا وظيفة لدكتور في جيزان !
.... : دا حين فكونا من سيبويه وكلاكيعه وخلوني اتوطى في بطن أبو العقد ......
- جيزان ؟ وين هذي ربي حاططها ؟
- يا دكتور إنتَ من غزة واهل غزة يحبون البحر , وجيزان ربنا سبحانه وتعالى حط بحر جنبها يعني في جيزان تلاقي سمك وهوا اللي يرد الروح ..
- يا طويل العمر .. إنت متأكد إن جيزان في السعودية ؟
- أجل وين ؟؟ في الأهواز !!!:
- طيب .. أمهلني لبكرة .. خلني أستخير ربنا الليلة وارد لك الجواب ..
- مثل ما ودَّك .. إذلف داحين وبكرة تجي !
عدتُ للفندق , وذهبت في المساء لمطعم القدس لتناول العشاء وطلبت " منسف " وسميت بالله وإذ بخمسة شباب بزي خليجي دخلوا وجلسوا بالقرب مني .. " وهقيت " من لهجتهم بأنهم من السعودية فقلت في بالي ..لماذا لا اسألهم عن جيزان قبل لا " أتوهق " ..
ذهبت إليهم .. السلام عليكم ..
وعليكم السلام ...
الأخوان من السعودية ؟
... ما أن سمعوا سؤالي وإذا بكل واحد منهم يضع يده على مخباته .. قلت في بالي ... أفاااااه صدق اللي قال اللي يطلع من داره يضيع اهو وحماره ..
قلت لهم لا تخافوا .. ولي عندكم طلب .. فهل تأذنوا لي بالجلوس معكم ؟
... الجماعة اعتقدوا بأني سأطلب منهم ثمن العشاء لأنني سمعت أحدهم يقول ( وش رايكم نعمل له قطة ) !!
فقالوا لي حياك الله اتفضل ! .. جلستُ معهم وقلت : اريد أن تحدثوني عن جيزان لأنني أنوي أن أعمل هناك ...!!
ما أن سمعوا بجيزان وإذا بأربعة منهم ينظرون لي بدهشة واستغراب ويقولون .. جيزان ... إنت متأكد إنها في السعودية ؟
.. قلت في بالي – لو ودها تمطر لغيَّمت – فإذا بالخامس يقول موجها كلامه لرفاقه .. ما تعرفون جازان ؟ والله فشلتونا قدام الراجل !! يا ربع جازان هذي اللي يقولون فيها عقارب وقرود , واللي قال بحقها احد الشعراء .. ( إذا للأرض من – أكرمكم الله واعفوني من ذكر اللي قاله - !! ) ..
صرت اكلم روحي واقول يا ربي ..هذول سمعوا بعمَّان وضربوا إليها أكباد البعران ولم يسمعوا بجازان ولا حتى زاورها !!
شكرتهم وتركت المنسف قبل أن ينفجر ورجعتُ للفندق " منغث ومهموم " وحاولت أن أنام تلكَ الليلة كي تكتمل طقوس الإستخارة ولكني لم استطع النوم فخرجت وجلستُ في الصالة وإذ بي أجد رجلا سعوديا شكله مهموم وجالس يكلم في روحه ..فتذكرت اغنية عبد الحليم حافظ اللي إسمها ( نجوم الليل ) فتوجهت له وانا اردد أغنية أحمد عدوية اللي تقول ( والتمِّن الحلوات من كل بيت حلوة التمَّن ) ..
- السلام عليكم أخا العرب !
- وعليكم السلام .. آمر !
- ما يؤمر عليك عدو .. ولكني أعتقد بأنكَ سعودي ..فإن كنت سعوديا لي عندك طلب .
- آمر .. اخوك في الله عبد الله من السعودية ..
- حياك الله .. ودِّي لو تكلمني عن جيزان لانني ناوي أتعقد أقصد أتعاقد وأعمل هناك !
- فما ان سمع الرجل كلمة جازان حتى صار يفرك جبينه بيده ويقول جازان جازان جازان ..يا ربي وين سامع هالإسم ؟!!
... شعرتُ بالندم لأني سألته وقلت في بالي إما أن هذا الرجل سكران وها أنذا أفقته وضاعت فلوسه واللي طفحه .. أو أن إسم جازان يثير الشجن أو ربما يفقد الذاكرة ... وفجأة صاح الرجل ..
- إيه جازان ..جازان .. وش بها جازان ؟
- يا أخي ما فيها إلا الخير " خرعتني " أنا اللي اسألك!
- جازان هذي وانا اخوك – إن ما خانتني الذاكرة – من أعمال الربع الخالي وهي تبعد عن نفحة مسيرة خمس ليال!! بعدين ليش ما تروح على القصيم او نجران أو الليث ؟
- فقلت له .. إعمل معروف اكتب لي اسماء هذه المدن كي لا انساها .. فكتبها بخط أشبه بالخط المسماري ,, أخذتُ الورقه منه و " حبيت " على خشمه وقلت له شكرا لك يا أخا العرب !
ودعته وعدتُ لغرفتي وحاولت أن احفظ اسماء المدن ولكني لم افلح لرداءة الخط ( من المصدر ).. وبقيت جالسا على السرير إلى أن جاء ميعاد صلاة الفجر فصليت وانتظرت حتى جاء موعد دوام مكتب التعقيد فخرجت وأشرتُ لأول تاكسي وإذا بي بعد عشر دقائق وجها لوجه مع طويل العمر ..
- السلام عليكم ..
- وعليكم السلام .. ها .. بشِّر ! قررت؟!
- نعم .. ما أبي جازان !!
- أجل وين ودَّك في ؟
- فتشتُ على الورقه فلم أجدها فقد نسيتها في الفندق وسرعان ما استدركتُ الأمر ففتحت ( الملف ابو العلاقة ) – يذكرك بالخير يا خالتي دوف فقد حستي ستين حوسة إنتي وملفك ابو العلاقة – وتظاهرتُ بأني أقرأ من ورقه ولكني تذكرتُ بعض أسماء المدن التي كان يحدثنا عنها زوار الصيف الذين كانوا يعملون في السعودية فقلت له ...
وإلى اللقاء في الحلقة الثانية بإذن الله !:nn
مع تحيات
اخوكم / جمال حمدان