حوارُ الأرُز
البارحَة ,,,وضعتُ بعضَ الأرُز في وعاء ، وأخذتُ اقلِّبُها بيدِيّ كي أتأكد من نقاوتِها ، فسمعتُ الحوارَ التالي
قالت واحدةٌ وهي تتنهَّد:
~ يظهرُ ايتُها الأخوات ،أنَّه قد حانَ الوقت ،وأن اليومَ هو يومُ زفافِنا إلى معدةِ الإنسان .
فردَّت عليها حبهٌ أخرى بصوتٍ فيه بعضُ اليأسِ والكثيرُ منَ الأمل :
~لقد كدْتُ أقطعُ الأملَ تماماً من خروجِنا من تلكَ العُلبةِ الصغيرةِ المقفلة،اختنقتُ فيها,, وكدتُ أموت ،كم هو جبارٌ هذا الذي يُسمى الإنسان !!
فقالت حبهٌ ثالثة:
~هنيئاً للأجيالِ المقبلة ،فإنَّها سوفَ لن تُخزّن بهذة الطريقةِ المقيتة القاسية . لأنَّ حبةَ الأرُزِ ستصبحُ بحجمِ حبةِ الإجاص!!.
قالتْ أخرى :
بلْ بحجمِ البطِّيخة ...هكذا يُقال!!
تململَ البعضُ ...وتصدَّت واحدةٌ غاضبَة:
~ ولكنَّ الأرُز هو الأرُز ، وبهذا الحجمِ منذُ بدىء الخلقْ ، فمَا هوَ الجديد ؟؟؟
~ همستْ اختُها قائله :
~لقدْ بدأ الإنسانُ يتلاعبُ بالأحجامِ والأشكالِ والألوان ...ألمْ تسمعي بذلك ؟؟
~ سمعتُ أنَّ حباتَ الأرُزِ سوفَ تصبح زرقاء وكبيرة جداً ، مثلَ أشجارِ السنديان!!
~ سمعتُ انّ حباتَ الأرُزِ سوفَ تصبحُ قادرةً على الطيرانِ والسباحةِ والتنزُّه في الطُّرقات !! يا للسَّعادَة...
~ يقالُ أنَّ حباتَ الأرُزِ سوفَ تكبرُ حتى تصبحُ كلُّ واحدةٍ بحجمِ الشَّمسِ وبلونِها !!!
~ ولكن,,, أيُّ كونٍ سيسعُنا ساعتها....إنَّنا سوفَ نحرقُ بعْضنَا بعْضاً. يجبُ على الإنسانِ أن يتوقفَ فوراً عنْ هذا العبثِ وهذا الجُنون.
~ إنَّ الإنسانَ مخلوقٌ عجيب!!!! كيف يضعُ كلَّ جهدِه وعلمِه ووقتِه في سبيلِ تدميرِ الكونَ وضياعِه ؟؟؟
~ بلْ هوَ يسعَى لعمارِ هذا الكونِ والسيرِ بهِ نحوَ السَّعادةِ والكمال ,,ويجبُ أنْ يتركُوه يفعلُ ما يشاء,, لأنَّ وراءَ كلّ علمٍ عليم .
~ بلْ يجبُ على الإنسانِ أنْ يتقيَّدَ بالأخلاقِ الحميدة ، وأن لا يطلقَ العنانَ لطموحاتِه التي لا حدودَ لها ، والتي أراها تُدمِّرُ هذا الكون ،وتسيرُ به نحو الهلاكِ المؤكد.
~ بلْ هو الله الذي خلقَ كلَّ شيء ، هو الذي حباهُ بهذا العقلِ المبدعِ الجبَّار ، فلماذا يصرُّ البعضُ على سجنِه وإطفائِه؟؟؟
~ لم اسمعْ يوماً أنَّ اللهَ يريدُ دمارَ هذا العالم وتخريبَه . أما الإنسان,, فمتحفِّزٌ دائما ًليفعلَ هذا .إنَّ الإنسانَ هو الشيطانُ بعينِه ، ألم يدمِّرُ العالمَ مرَّتين من قبل ؟؟؟ أما أماتَ الملايينَ من بني أُمِّهِ وأبيه ؟؟؟ وقتلَ الملايينَ جوعاً وقهراً؟؟ وما زالَ يفعلُ هذا في عشراتِ الأماكن ؟ إنَّهُ مخلوقٌ رهيب رغمَ رقَّتهِ ,,وجبَّارٌ رغمَ ضعفهِ ، وقاسي القلب ومصَّاصُ دماء ، وما زالَ ماضٍ كالسَّيفِ في صنعِ آلةِ الدَّمارِ وتطويرِها كلّ يوم .أحسُّ أنّ يوماً مشؤوماً سوفَ يأتي ،يستطيعُ به الإنسانُ أن يخترعَ شيئاً ما يقضي بهِ على نفسهِ وعلى كلِّ شيء,, ثمَّ لا يستطيعُ هو نفسُه السيطرةَ عليه ، إنَّ خرابَ هذا الكونِ الجميل, سوف يكونُ على يدِ هذا الإنسانِ الجميل، ولا شكّ في ذلك البتَّه!!!
عندها,,, ارتفعت الاصواتُ ، وكثُرَ اللّغطُ ، وصارت جميعُ حبَّاتِ الأرُز تتحدثُ بوقتٍ واحد وصوتٍ مرتفعٍ ومتوتِّر .
بدأت يداي تقلِّبُها بعصبيةٍ, وعيناي جاحظةٌ بها ، بينما حدقتاها تدورُ مكانها ساعةً من الزمن حتى نطقَ شيءٌ في داخلي فسكتَ الجميع :
~أيتُها الأرزَّات العزيزات ....لا داعي لكلّ هذا القلق ...فإنَّ الذي خلقَ هذا الكونَ قد أراد منذُ البدئ أن يضعَ الخير والشر في كلِّ شيء ،لقد وضعَ الخيرَ في الشَّمس التي هي سبب وجود الإنسانِ أصلاً ،ووضعَ فيها شراً مستطيراً ،ووضعَ الخيرَ في الماءِ والهواء، والترابِ والنار ، ووضعَ فيها شراً قاتلاً ، وهكذا العلم أيضاً ، فلولا التطوّر العلميّ الذي يسيرُ بالإنسانيةِ من أحسنٍ الى الأحسن كلّ يوم ،لما زال الإنسان يعيش في الكهوف ، ويأكل اللحم نيئاً كما كان يفعلُ من آلافِ السنين ،وكما تفعلُ كلُّ الحيوانات إلى يومنا هذا . إنَّ التطوّر العلميّ هو الذي ميَّز بني البشر عن باقي المخلوقاتِ البهيمية,, ومحاربته,, يعني محاربة الإنسانية في قلب الإنسان .
العلمُ فيه شرٌ ؟ نعم.... وعذابٌ ؟ نعم ...
ولكن ماذا لو حسبنا خيراته منذ البدايةِ إلى الآن؟؟ إنَّها كثيرٌ ... لذلك ،فانِّي شخصياً أرفضُ رفضاً قاطعاً أن يقفَ أيُّ بشريّ في وجه التطورِ العلميّ ، حاسباً شروره ، لأنَّ الشُّرورَ كفيلٌ بردعها الخيرُ ، فالشرّ يغلبُ مرَّة والخيرُ مرَّات ، وهذا هو حكمُ الله في خلقِه ،
أمَّا لو توقَّف التطوُّرُ العلميّ ، فإنَّه سوفَ يتوقّفُ خيرُه وشرُّه ، وبهذا نكونُ قد حكمنا على بني الإنسانِ أن تصبحَ مجرَّد قطعانٍ هائمةٍ بدونِ سبب ، وبدونِ هدف ، منحدرةً دائماً إلى أسفل ،راجعةً دوماً إلى الخلف.
على كل حال,,
لا أحد يستطيع أن يفعلَ هذا ,لأنَّ العلماءَ والمكتشفين سوف يستمروا حتى رغم أنفسهم.
ولو منعهم الناسُ بالعنفِ او الإرهاب ،فإنَّهم سوفَ يستمروا جهراً او سراً!!
ولكنَّهم لن يتوقفوا ، لأنّهم بكلِّ بساطة لا يستطيعون التوقف!!!!.
ماسة