في خضم الحملات المتوالية لتأصيل مشروع ( أسلمة الإرهاب) والتي نجح فيها مخالفونا في تشويه بعض الأسس التي ينطلق منها منهاجنا المهيمن حين يفعَّـل على أرض واقعنا. وليقيني التام أن ثمة (فتنة فكر) ساعدت المخالف على اختراق حصوننا المهددة أصلاً من داخلها، حتى آل الأمر إلى إهانة من حملوا كلام الله ورسوله في قلوبهم الطاهرة في ( أبي غريب ) مما يمثل هزة فكرية ونكسة قِيَميّة قد تتجاوز في تأثيرها على أصحاب الأيدي المتوضئة.
صارت (الكراهية) ثقافة، و(العنف) ثقافة لكل الذين يقاتلوننا، وهذه أسلحة خطيرة تستهدف تقويض القواعد التي يقف عليها منظورنا لديننا وهو(منهاج مهيمن).
وفي المقابل فأن (التسامح) وهو أصل ثقافتنا الإسلامية السائدة لدى الذين يواجهون ثقافة الكراهية وموجهيها، أخذت ملامح مشوهة ومواقف مضطربة.
وعليه، وددت أن أباشر بمشروعي الذي نذرت له سنيني، لأعلن هنا في واحة ( البركات)، وأمام جمع الفضلاء، رؤيتي لكلام الله تعالى، لاستنباط الرحمة التي وعدنا بها الله سبحانه في كلماته التي لو كان البحر مدادا لها لنَفِدَ البحرُ قبل ان تنفَدَ، والتي أنزلها رحمة لنا أجمعين.
فما يبدوا من صواب في اجتهادي المتواضع في الرؤية، فهو من فضل الله وعونه لإكمال حلمي في أقامة دولتنا الراشدة. أما مَن يرى مِن خطأ فهو مدعوّ بحب لإفادتنا بالاقتراحات البديلة، لنتعلم من بعضنا، ونشد أزر بعضنا البعض، لنصل إلى الرحمة المنشودة من كلام الله.
فلنباشر بعد التوكل على الله:
قال تعالى: ( ونَبلُوكُم بالشَرِّ والْخَيرِ فِتْنةً وإِليْنا تُرْجَعونَ) ... الآية 35 سورة الأنبياء.
الخطاب هنا عاما في شأن البشر جميعاً، وبمعنى أن كل لحظة تمر على البشرية تأتي بابتلاءات جديدة، سواء في الخير أو في الشر، فقد يتحول الغني إلى فقير، وهذا بلاء لصبره وتحمله، وليرى سبحانه وتعالى رد فعله في هذا الموقف او الحالة التي يوضع فيها ... أو قد يكون العكس، أي يتحول الفقير إلى غني ليرى الله متى تأثير هذه الفتنة -وهي المال- على حال هذا الفرد وماذا سيقدم في هذا الاختبار واي درجة من النجاح أو الفشل سيحصل عليها كنتيجة لتعاطيه مع هذا الوضع –أي وضع الغِنى- فهل سيبلوا بلاءا حسنا كأن يشكر ربه على فضله أولاً؟ وأن يعترف مع نفسه ان هذا المال أصلا لله وهو مجرد أداة لاختبار إيمان العبد، وهل سيتصرف به مثلا كما ينبغي وكما أمر الله كأن يزكي منه مثلا -وحتى في الزكاة ذاتها حكمة، فلو مارسها كل ذي مال لما بقي فقير على وجه الأرض- وهل سيعطي الصدقات ومساعدة ذوي القربى والمساكين والمحتاج وعابر السبيل وغيره، أم سيقول مثل الذين نوه اليهم سبحانه وتعالى في
سورة (يس الاية 47) :
(واذا قيلَ لَهُمْ أَنفِقُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ قالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِلَّذينَ آمَنُواْ أنُطْعِمُ مَن لَّوْ يَشاءُ اللهُ أَطْعَمَهُ، إنْ أَنتُمْ إلاّ في ضَلالٍ مُبِينٍ).
لا حظنا هنا ان الله سبحانه وتعالى قد اقرن الكفر بعدم الإنفاق، مما سيدفعنا فورا لندرك ان عدم الانفاق مما رزق الله هو احد خصائص الكافرين ...وإذن، سيكون الإنفاق سمة تقترن بالمؤمنين. فقد يرى غير المؤمن أن المال ملكه إلى أن يحرص عليه كحرصه على روحه فيكون قد فُتن فتنة عظيمة تؤدي به الى الفشل في نتيجة الاختبار ... ولن نتصدى لمناقشة عواقب النجاح والفشل فهذا ليس من شأننا لان الله سبحانه وتعالى يغفر لمن يشاء!
وقد يتخذ البلاء صورا كثيرة تصل إلى أدق التفاصيل في حياة الإنسان من مرض إلى فراق إلى حب إلى نبذ إلى حيث لا يمكن تحديد اختبارات رب العالمين في حدود معينة أو نوع !
ومهما يكن من أمر، فأن الابتلاء للفرد، قد يكون في حدود استبصار الفرد، وإدراكه لذلك البلاء، ورؤيته الرؤية الصحيحة، وبالتالي يتعامل معه بعقلانية ووعي لأنه قد يدرك بسهولة، الحكمة من وراء ذلك البلاء... أو قد لا يكون البلاء مدركاً ومفهوماً من قبل الفرد، ولا يحصل ذلك مع الفرد العادي فقط وإنما يحصل أيضا مع أكثر الأفراد حكمة وإيمانا وذكاءا بل وحتى مع الأنبياء! ... وما أقربه من مثال على ذلك عندما نستذكر كلام الباري عز وجل في سورة الكهف، الايات (من 65-الى آخره)
(فوجَدا عبْداً مِنْ عبادِنا آتيناهُ رَحْمَةً مِنْ عِندِنا وعلّمناه مِنْ لدُناّ عِلْما* قال لهُ موسى هَل اتََبِعُكَ عَلَى أن تُعَلّمنِ ممَّا عُلّمْتَ رُشداً* قالَ إنكَ لنْ تستطيعَ معيَ صَبرا* وكيفَ تصْبِرُ على ما لَمْ تُحِط به خُبرا* قالَ ستَجِدُنِي إِن شاءَ اللهُ صابِراً وَلا أعْصي لكَ أمْراً* قالَ فإنِ اتَّبَعْتَنِي فَلاَ تسألني عنْ شيءٍ حتَّى أُحدِثَ لَكَ مِنهُ ذِكراُ* فانطَلَقاَ حَتّى إِذا رَكِباَ فِي السَّفينَةِ خَرَقَها قالَ أخَرَقْتَهاَ لتُغرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئتَ شَيْئاً إمْراً* قال الم أقُل إنكَ لنْ تَستطيعَ معِيَ صَبْراً* قال لا تؤاخذني بما نسيتُ ولا تُرهقني من أمري عُسرا* فانطلقا حتى إذا لقِيا غلاماً فقَتَلَهُ قالَ أقتلتَ نفساً زكيّةً بغيرِ نفسٍ لقَد جِئْتَ شيئا نُكرا* قال ألم أقل لكَ إنكَ لنْ تستطيعَ معيَ صبْرا، قال إن سألتك عن شيءٍ بعدها فلا تصاحبني قد بلغت من لدني عذرا* فانطلقا ....) ... ولا حظنا أن الحكمة من بلاء رب العالمين قد لا تكون واضحة حتى لنبيّ مثل النبي موسى عليه السلام فلم يصبر عن السؤال مستوضحا ومعارضا ومعاتبا حتى أنه لم يصبر إلى نهاية المشوار الذي أراد الوصول اليه فكان الفراق مع الذي أوتي رحمة من عند الله وعُلِّم من لدنهِ علما:
(... قال هذا فراقُ بيني وبينِكِ سأُنبئُكَ بتـأويلِ ما لمْ تستَطِع عليه صبرا ) الاية 78 من سورة الكهف.
فنبئه بما أراد الله سبحانه وتعالى من تلك الأفعال التي قام بها والتي بدت إمرا ونُكرا ... وقال للنبي موسى (ع) :
(هذا تأويل ما لم تسطع عليه صبرا) نهاية الآية 82 من سورة الكهف.
وعلينا حين لا ندرك الغاية من البلاء العصيب، والذي قد يضيق بنا وقد لا نريده ! والذي قد يسبب لنا القهر، وقد تثير الجدل والمساؤلة ب : لم ؟ وكيف؟ وماذا لو؟ ولماذا حصل لنا هذا ولم يحصل لغيرنا؟ وما شابه! وقد يكون رد فعل البعض إزاء البلاء الذي يكون على شكل مصيبة (الجزع) ...!
في الواقع، لا نملك في مثل هذه الاختبارات الرهيبة التي يصعب علينا فهم الغاية والحكمة منها إلا ان نقول إنا لله وإنا إليه راجعون:
(ولَنَبلُونّكم بشَيءٍ من الخَوفِ والجوعِ ونقصٍ من الأموالِ والأنفسِ والثمراتِ وبشَر الصابرينَ* الذين إذا أصابتهم مصيبةٌ قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون* أولئك عليهم صلواتٌ من ربّهِم ورحمة وأولئك همُ المهتدون) الآيتين 155، 156 ، 157 من سورة البقرة.
والله ما أن مرت بي غيمة من الأحزان وذكرت كلام الله (إنا لله وإنا إليه راجعون) إلا وكأن الغيمة تنزل على قلبي رحمة وسكينة بكم عظيم !
فسبحان الله الذي لا يُحمد على مكروهٍ سواه ... فخير من العقل في هذه المواقف الايمان المطلق بالله وبحكمته وبعدله ، وعلى أن الله سبحانه لا يخطئ أبدا وليس هناك عند الله شيئا اسمه صدفة، فكل شيء في كتابٍ، ولا يظلم ربنا أحدا:
(وَوُضعَ الكتابُ فتَرى المُجرِمينَ مُشفِقِينَ ممَّا فيهِ ويقولونَ يَوَيلتَنا مالِ هَذا الكِتابِ لا يُغادرُ صغيرَةً ولا كَبيرَةً إلاّ أحصاها ووجَدوا ما عمِلُواْ حاضِراً ولا يَظْلِمُ ربُّكَ أَحَداً) الآية 49 من سورة الكهف.
يتبع باذن الله
*