من حكايات عمتي
حكاية للأطفال
الفارس و الشقيقات الثلاث
بقلم : نزار ب. الزين*
*****
[align=right]كان يا ما كان في سالف العصر و الزمان
ثلاث شقيقات ، يسكنَّ في طاحون ، و في يوم من الأيام ، جاء خباز إلى الطاحون فاشترى عددا من أكياس الطحين ، وضعها في عربة يجرها حصان ، و قبيل أن يمضي سمعته كبراهن و هو يقول للطحان :
- أنا لا أخبز الخبز و أبيعه و حسب ، بل أخبز لزبائني الصفائح باللحم و دبس الرمان و الفطائر باليض و الأجبان و حتى الحلويات أشكال و ألوان .
سمعته (حنّا) كبرى الشقيقات الثلاث فسال لعابها ، و بسرعة اتخذت قرارها ؛ فقالت لشقيقتيها ( بنّا ) و ( كركزنّا ) :
- لقد مللت ضجيج رحى الطاحونة ، و ضجرت من أكل الحبوب مطحونة و غير مطحونة ، سأغادركما في الحال ؛ ثم ودعت شقيقتيها ، و قفزت إلى عربة الخباز و اندست بين أكياس الطحين .
بعد عدة أيام ، حضر إلى الطاحون لحّام ، فاشترى كيسا واحدا من الطحين ، وضعه فوق عربة صغيرة يجرها حمار ، و قبيل أن يمضي سمعته ( بنّا ) و هو يقول :
- كيس الطحين هذا للبيت ، فإن زوجتي تحب أن تخبز أرغفتها في البيت ، و تصنع لنا ( مناقيش الزعتر و اللحم بالعجين ) ، أما في الدكان ، فأنا أبيع اللحم ، و أحضِّر للزبائن خلطة الصفائح أو البيض بالجبن ، و الكبة و الكباب أو ( اللحمة بالصحن ) .
سمعته ( بنّا ) فسال لعابها ، و بسرعة اتخذت قرارها ؛ فقالت لشقيقتها ( كركزنّا )
- لقد مللت ضجيج رحى الطاحونة ، و ضجرت من أكل الحبوب مطحونة و غير مطحونة ، سأغادرك للتو و اللحظة ؛ ثم ودعت شقيقتها و قفزت إلى عربة اللحام و اختبأت وراء كيس الطحين الذي اشتراه .
*****
بعد حوالي شهر ، قدم إلى الطاحون فارس ، طويل القامة عريض المنكبين ، مفتول العضلات ، كث الشاربين ، و قد وضع خلفه كيسا من القمح جاء ليطحنه في الطاحون ، و لكنه فوجئ بالطاحون مغلقة الباب، و قد كتب عليه " الطاحون مغلقة لأغراض الصيانة " و إذ همَّ بالعودة ، برزت له ( كركزنّاَ) على حين غرة ، ثم خاطبته متوسلة :
- يا راكب فرسك ، يا مطنطن جرسك ، قل لحنّا ، قل لبنّا ، كركزنّا راح تموت.
أصيب الفارس الهمام بالهلع ، فركب حصانه على عجل ، و مضى سريعا و قد أذهله ما سمع و ما رأى .
و في طريق عودته ، تذكر أبو ضرغام أن عليه شراءالخبز للبيت، طالما أن القمح لم يتمكن من طحنه ، فزوجته لن تستطيع صنع الخبز في البيت بدون طحين .
عندما وقف أمام المخبز ، انتبه الخباز إلى وجهه المصفر و يده المرتعشة ، فسأله:
- خير إنشاء الله ، أيها الفارس ابو ضرغام ؟ مابك ، هل أنت – لا سمح الله - مريض ؟ فأجابه الفارس بفم مرتجف :
- إذا حدثتك بخبري فلن تصدقني .
= بل أصدقك ، فأنت الفارس المقدام ، أبو ضرغام ، الصادق الأمين ، في كل وقت و حين ، فما هو خبرك ، أطال الله عمرك ؟
قال الفارس و شفتاه لا زالتا ترتعشان :
- ذهبت إلى الطاحون لأطحن قمحي ، فوجدتها مغلقة الأبواب ، هممت بركوب فرسي استعدادا للعودة من حيث أتيت ، و فجأة برزت لي فأرة ، نعم فأرة هل تصدق ؟ خاطبتني بفصيح اللسان قائلة :
- يا راكب فرسك ، يا مطنطن جرسك ، قل لحنّا ، قل لبنّا ، كركزنّا راح تموت .
في هذه اللحظة برزت ( حنّا ) من جحرها وصاحت باكية :
- ويل لي ، إنها أختي !
أصيب الفارس و الخباز بالرعب ، الفارس اعتلى صهوة جواده على عجل و مضى مسرعا ، أما الخباز فقد جمده الرعب غير مصدق ما رأته عيناه و ما سمعته أذناه .
قبل أن يصل الفارس إلى مزرعته تذكر أن زوجته أوصته أن يحضر معه لحما معدا للكباب ، فعاد أدراجه إلى دكان اللحام ، الذي ما أن رآه حتى انتبه إلى وجهه المصفر و عرقه الغزير و يديه المرتجفتين فسأله :
- خير إنشاء الله ، أيها الفارس أبو ضرغام، مابك ، هل أنت – لا سمح الله - مريض ؟ فأجابه الفارس بفم مرتجف :
- إذا حدثتك بخبري فلن تصدقني !
= بل أصدقك ، فأنت الفارس المقدام ، أبو ضرغام ، الصادق الأمين ، في كل حين ، فما هو خبرك ؟
قال الفارس و شفتاه لا زالتا ترتعشان :
- ذهبت إلى الطاحون لأطحن قمحي ، فوجدتها مغلقة الأبواب ، هممت بركوب فرسي استعدادا للعودة من حيث أتيت ، و فجأة برزت لي فأرة ، نعم فأرة هل تصدق ؟ خاطبتني بفصيح اللسان قائلة :
- يا راكب فرسك ، يا مطنطن جرسك ، قل لحنّا ، قل لبنّا ، كركزنّا راح تموت .
و عندما حدثت الخباز بخبري ، برزت لي و له فأرة أخرى ، و صاحت باكية :
- ويل لي ، إنها أختي ...
في هذه اللحظة برزت (بنّا) من جحرها و صاحت باكية :
- ويل لي ، إنها أختي !
أصيب الفارس و اللحام بالرعب ، الفارس اعتلى صهوة جواده على عجل و مضى مسرعا ، أما اللحام فقد جمده الرعب غير مصدق ما رأته عيناه و ما سمعته أذناه .
*****
في اليوم التالي ، فوجئت ( كركزنّا ) بشقيقتها ( حنا ) في مدخل جحرها و قد جرَّت وراءها عربة صغيرة مليئة بالخبز الشهي و الفطائر بالجبن والبيض ، كانت كركزنّا المسكينة طريحة الفراش على حافة الموت جوعا ، بعد أن نضبت الطاحون من كل أثر للقمح أو الطحين ، عانقتها ( حنا ) و بدأت - في الحال - تغذيها .
و بينما هما كذلك ، إذا ب( بنَا ) تدخل عليهما و قد جرت وراءها عربة صغيرة ملأى بلحم الكباب و لحم الصفائح معجونا بدبس الرمان ، و قد هالها ما رأته من ضعف شقيقتها ( كركزنّا ) فانحنت عليها تعانقها و تقبلها ، ثم التفتت إلى شقيقتها ( حنا ) فعانقتها و قبلتها أيضا .
ارتدّت الروح إلى ( كركزنّا) برؤية شقيقتيها ، و أخذت ثلاثتهن يتحدثن - ضاحكات - عن الفارس الهمام ، الذي أرعبته الفئران !
و توتة توتة خلصت الحدوتة
----------------------------------------
*نزار بهاء الدين الزين
سوري مغترب
عضو إتحاد كتاب الأنترنيت العرب