هبت نسائمها من هذا الباب الخلفي ، وفاحت رائحتها من هذه المغاني ، رأيتها تئط نحو المائدة ، كلمتها بعيني حين رمقتها تأخذ قنينة ماء ، تناولت منها كأسا مترعا ، شربته على نهم عجول ، أحسست بجنين يخترق أحشاءها ، يعب ما تشربة من رواء الشعر .
أكبرتها حين سمعت مناجاة تناديها من روحي ، شبقية ، ثائرة ، منتفضة ، تحنو نحو هذا العالم الأوعر ، ذات افقدتها ركامات من غبار التاريخ القاتم لذاذتها بالفاني من القيم .
ليتني ، ما سمعت صوت هذا الأعجف ، يحكي عن هذا الصالون ، يقول في اعتداد ظاهر : عقيم هذا الفضاء ، سليب شريد في فضاء الكره ، لم يشعرزمانا الا برغبة العجائز ، مومسات تحكمهن حميا غرامات صارت بائدات مع الزمن الأسقم ، تنتشين بأسطورات حافية تجفل نحوهذا الرذيل المستبذل .
سمعت صوتا يناديها بإسمها الفاتر ، لم اتذكر من اسمها إلا حروفا مهموسة ، لا أدري سرا وراء بحثي عن قاموس الإعراب ، كم سألت عن إعرابها أقواما عاشوا للصبح على السكر الذي لا أحس به إلا طيفا من ذاك النوى البعيد .
لم أدر كيف خاست حروفها في دمي ، شراييني تسبح في صفاء هذا الماء ، سبحة في يم هذا النادي ، افقرتني في ذاكرتي ، كما أيبست أعوادا ندت في ربيع الجمال، فأدوتها هشيما بحريقها في خريف الأحلام ، رأيتها واقفة ترتكز الى سعة المكان ، تأملت هذا المشهد لوحة فلكلورية ، وأنا لا أرى لحالي دواءا إلا قرض الشعر ، وقص الحكايات ، أما رسم لوحاتي بهدب عيني بماء روحي ، فليس هذا لي إلا على الورق ، آضت مسامعي لتسرق من هسيس أنجية حروفا مكلومة من فضاء هذا المكان ، ضاعت أحلامي فصرت أسير من وراء السراب ، قيل لي إنها شاعرة !!!! لم أصدق ، وجه صبيح ، وجسم فوار ، وصدر موار ، وردف رجراج ، وقد رشيق .
لم أتمالك نفسي وأنا لا أحن إلا الى كل كاتبة وشاعرة، تسمرت كالضوء الذي أراه خافتا بين عيني يوم أحسست بعاطفة هوجاء ، وضغطة حمقاء ، لم أعرف سرها، وليتني عرفت ماوراء السر من خبر ، ألف تفسير وتفسير لمصدر هذا الضلال ، فسرت هذا المعنى بما رأيت من لاعج الحب ، لكنني لم أستطع هضم المعنى ، فكرت ، وكم فكرت لأراها أمامي تقرض الشعر ، تنشد الموال ، تحيي رمة من فؤاد هاضت منه أحلامه ، فتهدلت حياته ، فهل تطيق حبي ، صداقتي ، أم مجنونة كالتي ، آوت الى جحر الضب ، فنالتني منها قبل مسمومة كالتي أفقدت عزا لمن أرى له في قلبي هوانا واحتقارا
بداية النقيصة
أختني ملامحها أسيرا بين أطياف البين الذي أحسست به ، شعورا غريبا يمتصني بشراهة الجائع ، عاطفة قديمة تتركني دائما في غور السكر ضائعا ، أخذت تنداح مع الأيام صورتها بين أطباق روحي ، تنساب في صراع مع عقلي الكديد ، تحكم قبضتها علي فأنزاح الى قصي من الفراغ كالعطر ينسل من قارورتها كالهباء ، يخترقني رفسا فيتركني طريحا متمددا بين دروب هذا المكان الذي أكره ان يرانا على سريره مريضا بالزكام ، هرولت نحو الباب حين هاجت يقظتها بين جوارحي .
سروالة سوداء ، يعجبني من الألوان السواد ذكرى مرت بحكمها الجبار على كل الحياة ، مدسوسة ، مكدسة مكتنزة ، جعلتني بدينا في ليلة الوله .
هذه اللون وخزة في دماغي ، سر في انجذابي ، حقنة في دماغي .
هذا اللون أجلسني سنين على فراش الطبيب ، يقتص مني بجرع ذرات دمي بذاك المرود .
هذا اللون بعته ليلا واشتريته نهارا ليبقى لي دائما أبدا وشما مرسوما .
سرت نحو الباب الموصد ، أرنو الى المجهول ، رجعت القهقرى منتظرا، جلست على الكنبة منسرحا في سراب الأمل ، فأطرح السؤال ونقيضه ، أجاوب نفسي ، بعد ما أعللها ببحر من الرجاء المنقطع ، أهل سيتحقق الحلم في عالم الرجاء ،؟؟ أم سنتعش هبات ذاتها بين أطياف خيالي كالسرطان؟؟ لحظة تموت ، فتستحيل ركاما من المخدر القاتل ، أحلام ثرة آلت أن لاتفنى فحييت ردحا من الزمن ، فنكثت عهدها فغاضت في الروح وجودا وحضورا وشهودا وغيابا .
حكيت عن الشعراء ، عرفت من هو امرؤ القيس ، عرفت من هو بشار بن برد ، عرفت من هو ابو نواس ، وأخيرا عرفت من هو ابن الفارض ، سمعت للكون أزيزا يردد الصدى لوحات من الفن الشجي ، توثبت روحي فرارا من هذا القفص قتماثلت بي أمام الزجاج ، أراه مرآة مجلوة تنكسف في صفائها إرادات شتى ، صرت أرض رأسي برضخه ، فهانت بين عيني جسوم تثاقلت بها مسارات عانت فيها وجوه حرى ترتاح ليوم التكريم والذكرى ، وحين يتهشم بين عيني أراه سرابا يستحيل وهما رمادا عمقا أدركت به ما عن لفؤادي من بهاء المكان ، تسلقت الجداران بعيني ، تفرست الوجوه بخاطري ، ألممت بها بين الهوامش ، لم أعثر عليها رمزا دالا على العنف في قذف اللوائح الناحئة على نضال الجسد ، هبة من ريح تنساب من وراء الأشجار ، تتفشى بين جسدي كخمرة اردت للعقل منطقه فحامت به الهوام نحو الرضى بالقين المصفد ، عدت الأدراج بعيني أتأمل فارهة أرخت سبيا من الشعر ، رياضية ترسي لكماتها نحو قفاي كاليد الشلاء للزمن الذي جعلني مع رتقاء لا تعنى بأمر ولا خبر .
قمت كالمعتوه أنتقل بين المراحض ، ابحث عن ورقة اكتب فيها شعرا ، أرسله رادودا يشجي ، وقانونا يحمل القلوب على الحزن ، عذرا فهذا باطني ، حر، لا ألام على نقض ما تراه أساسا للكلام ، مهلا ، لا تحك خبري ، فأنت مني ببعد ، لا أراك فيه قريبا .
دست هذه الورود أسبح في حشمة ، أرفس الأمل بين دقات قلبي ، وجدتها ذرة ثكلى ، تهمس بأبيات شعر، تستوحيها من قلبي كالمرود ملطحا بالكحل ، وقفت خاشعا أرنوا بطرفي نحوها ، فاستحالت إلى محال ، أرقصني في غيبوبة سارحة تسهمني بسهام خيالها الخادع .
عفت منها الديار ، ففاقت غيرها بصيد قلبي ، وتهجير عقلي ، فتشاعرت ، بل صرت شاعرا بفقدانها ، كما كانت عذابا بلقياها المحروم . سألت عنها كل فضاء ، بحثت عنها في كل ناد ، فلم يسمعني الزمان إلا صوتا بحوحا ، يئن من صدري ، ينزاح ، ينساب ، يلتهمني ، ينتشلني في خفوت ، ليقذفني شرارة موردة في روحها ، سواء كانت أو لم تكن إلا متشاعرة تخبو ثورتها من وراء الإزار .
لا أدري ، روحي فيها عذاب ، حنين ، امل ، ألم .
هذه بحور شعري عرفتها ، فياليتني عرفتها لأتركها وحيدة في لطف الشعر ، أرمي بها في لجة الصورة ، أستوعب منها بحرا يرميها إلى قنن الجبال .
مشروع شاعرة قادمة .